تحقيقات وتقارير

فوز حزب العمال .. يعيد تشكيل المشهد السياسي في أستراليا

شهدت أستراليا تحولا سياسيا لافتا بعد فوز حزب العمال في الانتخابات العامة، عقب حملة انتخابية محتدمة هيمنت عليها قضايا اقتصادية شائكة، أبرزها ارتفاع معدلات التضخم والجدل الدائر حول الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة.

وقد اختار الناخبون الأستراليون بأغلبية واضحة حزب العمال بقيادة أنتوني ألبانيزي، البالغ من العمر 62 عاما، الذي يبدو في طريقه نحو تحقيق أغلبية برلمانية مريحة قد تفوق التوقعات، على حساب التحالف الليبرالي الوطني اليميني بقيادة بيتر داتون، البالغ من العمر 54 عاما، والذي مني بهزيمة قاسية تمثلت في فقدانه مقعده البرلماني.

ووفقا لتقديرات هيئة الإذاعة الأسترالية، فإن حزب العمال، المنتمي إلى يسار الوسط، مرشح لزيادة عدد مقاعده في البرلمان إلى 85 مقعدا على الأقل، ما يعزز موقعه في مجلس النواب المؤلف من 150 مقعدا، رغم أن معظم استطلاعات الرأي كانت قد رجحت سابقا صعوبة حفاظه على أغلبيته الضئيلة.

وتعهد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي الذي سيكون أول رئيس وزراء أسترالي يفوز بفترتين متتاليتين في 20 عاما، بقيادة البلاد في فترة صعبة من انعدام اليقين العالمي في الشأن الاقتصادي خصوصا، وذلك بعد أن فاز بولاية ثانية تاريخية مدفوعا بدعم من مخاوف الناخبين حيال تأثير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مواجهة المحافظين الذين تصاعدت آمالهم في الأشهر الأخيرة.

وفي الساعات الأولى عقب ظهور النتائج، هتف أنصار حزب العمال في سيدني أمام أنظار رئيس الوزراء الذي وجه الشكر للشعب الأسترالي على الفرصة التي أتيحت له مجددا، مشيدا بما وصفه “التفاؤل والعزيمة” التي اختارها الأستراليون، مؤكدا على عدم الحاجة إلى التوسل أو الاقتراض أو استنساخ تجربة مكان آخر على حد قوله. وأكد ألبانيزي أنه سيدير حكومة منضبطة ومنظمة، مشددا على أن الأستراليين صوتوا لصالح الوحدة.

وأضاف ألبانيزي في خطابه الأول عقب النصر، أنه لن يدخر جهدا خلال السنوات الثلاث المقبلة، ووعد رئيس الوزراء بدعم ملفات الطاقات المتجددة، ومعالجة أزمة الإسكان المتفاقمة، وضخ الأموال في نظام الرعاية الصحية المتدهور.

وعلى غرار الانتخابات التي جرت في كندا قبل أقل من أسبوع، خسر زعيم المعارضة المحافظ في أستراليا بيتر داتون مقعده مع تزايد قلق الناخبين إزاء الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسياساته الأخرى بعد أن كانوا يركزون في البداية على ضغوط تكاليف المعيشة.

وأقر زعيم المعارضة الأسترالية اليميني بيتر داتون بالهزيمة في الانتخابات العامة، قائلا: إنه تحدث إلى رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز، لتهنئته على فوزه، وأضاف داتون أنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن الخسارة، مشيرا إلى أن حزبه لم يحقق أداء جيدا بما فيه الكفاية في هذه الحملة، وكانت وعود داتون بتقليص حجم الإدارة العامة، قد أثارت استياء كثيرين، كما أن اقتراحه الرائد بإنشاء مفاعلات نووية في مختلف أنحاء أستراليا اعتبر على نطاق واسع أنه يشكل عبئا على الدولة والشعب.

وقال وزير الخزانة الأسترالي جيم تشالمرز: إن الحكومة الجديدة ستعطي الأولوية للتعامل مع “الظلال القاتمة” الناجمة عن الحرب التجارية بين أمريكا والصين بعد فوزها الساحق في الانتخابات عقب حملة ركزت على المخاوف بشأن سياسة التجارة الأمريكية والاقتصاد العالمي. وأضاف تشالمرز أن استراليا “بحاجة إلى أن تكون لديها القدرة على إدارة تلك الضبابية”.

على الصعيد الدولي، هنأ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ألبانيزي بالفوز، ووصف أستراليا بأنها “حليف وشريك وصديق قيم للولايات المتحدة”، وقال وربيو: إن واشنطن “تتطلع إلى تعميق علاقاتها مع أستراليا لتعزيز مصالحنا المشتركة ونشر الحرية والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وعلى الصعيد العالمي”.

وقال متحدث باسم الخارجية الصينية إن بكين “مستعدة للعمل” مع حكومة أستراليا الجديدة من أجل شراكة “أكثر نضجا واستقرارا وإنتاجية”، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية، وأعرب عن استعداد الصين للعمل مع الحكومة الأسترالية الجديدة، لافتا إلى أنه من خلال التوجيه الأساسي الذي توفره التفاهمات المشتركة المهمة بين زعيمي البلدين، ستواصل الصين دفع شراكة استراتيجية شاملة أكثر نضجا واستقرارا وإنتاجية بين الصين وأستراليا، بما يعود بمزيد من الفائدة على البلدين والشعبين، ويسهم بشكل إيجابي في السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها.

من جهته، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه أمام أستراليا وفرنسا الكثير لإتمامه معا خصوصا في المحيط الهادئ، أما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي فشدد على “تعزيز الرؤية المشتركة للسلام والاستقرار والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن كييف “تقدر بصدق دعم أستراليا الثابت، وموقفها المبدئي بشأن إنهاء حرب روسيا”.

وفي خضم الأجواء الانتخابية التي شهدتها أستراليا، برزت القضايا الاقتصادية كعامل حاسم في توجيه خيارات الناخبين، وسط شكاوى متصاعدة من قبل الأسر الأسترالية التي تواجه ضغوطا معيشية متزايدة بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الحليب، والخبز، والكهرباء، والبنزين.

وقد أعرب عدد كبير من المواطنين عن استيائهم من تفاقم كلفة المعيشة، وارتفاع الضرائب، وأسعار الوقود، وهو ما ألقى بظلاله على الحملات الانتخابية وأعاد تشكيل أولويات الناخبين.

وفي هذا السياق، تبنت حكومة حزب العمال بقيادة أنتوني ألبانيي، سياسات منسجمة مع الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، حيث حذرت من مستقبل اقتصادي غير مستدام يعتمد على صادرات الفحم وخام الحديد الملوث، مؤكدة ضرورة التحول نحو مصادر طاقة نظيفة.

في المقابل، قدم زعيم المعارضة اليمينية بيتر داتون خطة طموحة بقيمة 200 مليار دولار لبناء سبعة مفاعلات نووية صناعية، في مسعى لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وهي خطوة أثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية والبيئية على حد سواء.

وعلى مدار تسعة أشهر حتى مارس، أظهرت استطلاعات الرأي تقدما نسبيا لائتلاف المعارضة المحافظ على حساب حزب العمال الحاكم، مدعوما بموجة من التذمر الشعبي إزاء سياسات الحكومة في معالجة التضخم.

إلا أن هذا التقدم تراجع بشكل مفاجئ بعد إعلان المحافظين عن مقترح لتقليص حجم القوى العاملة في القطاع الحكومي الاتحادي، وهو المقترح الذي وُوجه بانتقادات شديدة وشُبّه بتحركات إدارة ترامب لتقليص الوكالات الحكومية في الولايات المتحدة.

كما أثار اقتراح إلزام الموظفين الحكوميين بالعودة إلى مكاتبهم خمسة أيام في الأسبوع استياء واسعا، واعتبر قرارا مجحفا بحق النساء العاملات، ما أسهم في تغيير المزاج العام ودفع الناخبين إلى إعادة النظر في توجهاتهم السياسية.

وبلغ إجمالي عدد الناخبين المسجلين 18.1 مليون ناخب، وأفادت الهيئة الانتخابية بأن نصفهم تقريبا أدلوا بأصواتهم مبكراً، ويعتبر التصويت في الانتخابات الأسترالية إلزاميا منذ عام 1924، ويعاقب على التخلف عنه بغرامة قدرها 20 دولارا أستراليا (13 دولارا أمريكيا)، مما يؤدي عادة إلى مشاركة تتجاوز 90 بالمئة.

وتقع أستراليا التي يبلغ عدد سكانها 26.6 مليون نسمة ومساحتها الإجمالية 8.56 مليون كيلومتر مربع وهي قارة، في جنوب المحيط الهادئ في المنطقة الجغرافية لأوقيانوسيا، واستبدل مصطلح أوقيانوسيا، بمفهوم أستراليا كقارة في الخمسينيات، وتشمل القارة في البر الرئيسى كلا من أستراليا وتسمانيا وجزيرة غينيا الجديدة، التي يفصل بينها وبين أستراليا بحر آرفورا ومضيق توريس، بينما يفصل بين تسمانيا وأستراليا مضيق باس، وتعتبر أستراليا أصغر القارات السبع التقليدية.

وتتكون أستراليا من ست ولايات، وتمثل سيدني عاصمتها وأكبر مدنها، وتعد دولة مستقرة وديمقراطية ومتنوعة ثقافيا، كما أنها تتمتع بمناظر طبيعية خلابة وثقافة قديمة غنية، وهي سادس أكبر دولة من حيث المساحة في العالم، وهي الدولة الوحيدة التي تحكم قارة بأكملها، وتحتل أستراليا المركز 12 عالميا من حيث حجم الاقتصاد فيها، في مقاييس الأداء الاقتصادي العالمي، بينما صنفتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كواحدة من أكبر القوى الاقتصادية المتقدمة، وذلك من حيث انخفاض معدل البطالة وانخفاض مستوى التضخم وارتفاع مستوى مهارات القوى العاملة.

ووفقا لتصنيف مؤشر التنمية البشرية (HDI) لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صنفت أستراليا من بين أفضل 10 وجهات على مستوى العالم من حيث جودة الحياة العالية، إذ إن نوعية الحياة في أستراليا عالية جدا، بسبب التعليم المجاني من خلال المدارس العامة، والرعاية الصحية المجانية عالية المستوى، والوظائف ذات الأجور المرتفعة، والبنية التحتية الممتازة، بالإضافة إلى الوصول إلى المرافق الأساسية، مثل: الغذاء والماء والسكن، ومستوى التلوث، ومعايير السلامة، والرضا عن الحياة.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى