مقالات

جمال منصور يكتب: انتبهوا أيها السادة

في إطار السيطرة الصهيونية على الوعي الجمعي صرح نتنياهو إن “من يحمل هاتفًا محمولًا يحمل قطعة من إسرائيل”، وهو بذلك لم يكن يبالغ بقدر ما كان يكشف عن عمق الرؤية الصهيونية في عصر التكنولوجيا: حيث لم تعد حدود القوة هي الأرض أو السماء، بل العقل البشري ذاته. الهاتف المحمول لم يعد جهازًا شخصيًا، بل منصة لاحتلال صامت، احتلال يتسلل عبر الصور، والخوارزميات، وتوجيه الانتباه والسيطرة على الوعى الجمعي.

صفقة التيك توك

يأتي هذا الأمر بعد توقيع ترامب لقانون يخير الصين بين بيع التيك توك ودخول أمريكا كشريك له الحق في تعديل هذه الخوارزميات والتحكم بالمحتوى المقدم أو حظر التيك توك في أمريكا ثاني أكبر المشتركين على منصة تيك توك بحوالي 150 مليون مشترك.
وفى قلب هذه الرؤية يقف لاري أليسون، رئيس مجلس إدارة “أوراكل”، أحد أكبر داعمي نتنياهو، ورمزًا لثنائية (المال–التقنية) كأداة للسيطرة، ومعه شخصيات مثل روبرت مردوخ، ومايكل ديل يتحول المال إلى ذراع، والتقنية إلى حقل معركة، والإعلام إلى أداة إعادة تشكيل الواقع.
ومن ثم يصبح الاستحواذ على “تيك توك” ليس صفقة تجارية، بل هندسة سردية لإعادة صياغة وتوجيه الوعى الجمعي، ومحاولة لاحتكار معنى الحقيقة ذاتها، وإعادة إنتاج العالم وفق منطق المستعمر لا وفق منطق الضحية.
لقد أثبتت تجربة “تيك توك” أن جيل الشباب والذى يمثل 65% من مشتركة المنصة قادر على هزيمة الجيوش الإعلامية بقدرة كاميرا هاتف بسيطة.
فمن خلال منصة التيك توك والتي تجاوز عدد مشتركيها وتنزيلاتها أكثر من 3 مليار مشترك خرجت صور المجازر، ومن خلاله انقلب ميزان التعاطف العالمي. ولهذا أدركت إسرائيل أن الحرب المقبلة ليست فقط على الأرض في غزة أو الضفة، بل على ذاكرة الصورة ومخيلة المستقبل.

الهيمنة الأمريكية علي منصات التواصل الإجتماعي

لكن ثمة سؤال يظل قائمًا، هل يمكن للمال أن يحتكر الوعي؟ أم أن محاولة ضبط السردية العالمية ستنتج مقاومة مضادة أكثر جذرية؟ أم أن الصين ستبيع التيك توك لأمريكا لتكسب لتجنى من ورائه ثروة طائلة ثم سرعان ما تعود لتظهر فى صورة أخرى وباسم أخر وليكن التيك تاك؟ التاريخ يعلمنا أن كل مشروع هيمنة يولد مشروع مقاومة، وأن من يظن أنه يمتلك “الحقيقة المطلقة” لا يفعل سوى تسريع لحظة انكشافه.
بهذا المعنى، يصبح تصريح نتنياهو ولعبة أليسون وشركاؤه الاقتصادية مرآة لفلسفة المشروع الصهيوني: تحويل كل شيء إلى سلعة، حتى الوعي، حتى الدم، حتى الذاكرة. غير أن الحقيقة لا تُشترى ولا تُباع، وما يعتقدونه “قطعة من إسرائيل” في جيب كل إنسان قد يتحول إلى أداة لفضح إسرائيل نفسها.
إنها مفارقة التاريخ، كلما توسعت أدوات السيطرة، تضاعفت مساحات التمرد، ومن يظن أنه قادر على إخضاع العقول كما أخضع الأرض، يكتشف متأخرًا أن العقول لا تُستعمر إلا بقدر ما تقبل هي أن تُستعمر.
Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى