جمال منصور يكتب.. نوبل ترامب بين نهاية الحرب ونهاية نتنياهو

للوهلة الأولى تبدو خطة دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، في ظاهرها، مشروع سلام جديد، لكنها في جوهرها اختبار مزدوج: هل ستكون نهاية الحرب فعلًا، أم بداية نهاية نتنياهو؟
فمنذ اللحظة التي وعد فيها نتنياهو الإسرائيليين بتحويل دولتهم إلى ما سمّاه “سوبر إسبرطة”، وهو يعلم في قرارة نفسه أن تلك الفكرة لا تعدو كونها أسطورة سياسية لإطالة عمر سلطته، تهاوت ملامح المشروع أمام واقع الدم والإنهاك. إسرائيل لم تعد قادرة على حسم الحرب ميدانيا، ولا على تبرير استمرارها أخلاقيا أو سياسيا.
وهنا يطل ترامب بخطته التي يُقال إنها تهدف إلى وقف النار، لكنها في الحقيقة تهدف إلى إنقاذ نفسه سياسيًا وإلى نيل ما عجز عنه سابقًا: جائزة نوبل للسلام.
ترامب، الذي لطالما قدّم نفسه “صانع الصفقات التاريخية”، يريد أن يُتوج تاريخه بصفقة “الدم مقابل الجائزة”. لكنه يدرك أن هذا السلام الموعود سيكون بمثابة حكم بالإعدام السياسي على نتنياهو، فوقف الحرب يعني بالضرورة انسحاب الجيش من غزة، وهو ما يرفضه اليمين المتطرف الذي يمسك بخيوط بقاء الحكومة. شخصيات مثل بن غفير وسموتريتش لن تغفر لنتنياهو ما تعتبره “خيانة للعقيدة الصهيونية” و”هزيمة أمام المقاومة”، ما يعني أن سقوط الحكومة سيكون حتميًا، وأن لحظة المحاكمة –التي طال انتظارها– ستصبح واقعًا لا مفر منه.
إن المفارقة الكبرى هنا أن الحرب التي بدأها نتنياهو ليخلّد بها نفسه، قد تنتهي بأن تكون شاهد قبره السياسي، وأن من سيعلن نهايتها هو ترامب، الباحث عن مجدٍ شخصي تحت لافتة السلام. وهكذا يصبح السلام الأمريكي أداة تصفية حسابات إسرائيلية داخلية، لا أكثر.
لكن لماذا الآن؟
الإجابة تكمن في نوبل. فترامب يعلم أن الجائزة لا تُمنح عادةً إلا في لحظات استثنائية تغير مجرى التاريخ، وهو يطمح أن يُسجل اسمه كمن “أوقف حرب غزة” بعدما فشل في إنهاء الحروب الأخرى التي ادّعى التوسط فيها وهي حروب: إسرائيل وإيران، الهند وباكستان، أرمينيا وأذربيجان، الكونغو ورواندا، كمبوديا وتايلند، مصر وإثيوبيا، وصربيا وكوسوفو، لم يبق أمامه إلا غزة، آخر مسرح يمكن أن يصنع له بطولة كاذبة.
نوبل ترامب
لكن ثمة مفارقة فلسفية عميقة في أن يكون نوبل – مخترع الديناميت – هو من أطلق جائزة السلام، وأن يكون ترامب –تاجر الصفقات– هو من يسعى إليها عبر إنهاء حرب غذّاها بخطابه الداعم لإسرائيل. وكأن التاريخ يعيد صياغة نفسه في صورة كاريكاتيرية للضمير الغربي: الحرب تُنجب السلام فقط حين يصبح السلام صفقة رابحة.
وإذا ما كانت جائزة نوبل سببًا في وقف الإبادة والمجاعة في غزة، فإنها – للمفارقة – ستكون أول مرة يتحقق فيها أحد أهدافها النبيلة، لأن السلام سيصبح عندها منتجًا سياسيًا له ثمن محدد.
لكن بين نوبل ونتنياهو وترامب، ثمة سؤال أخلاقي يطفو فوق ركام غزة:
هل يُمكن لسلامٍ وُلد على حافة مجزرة أن يُنقذ أحدًا؟
أم أن العالم يكرر مأساة قديمة، حيث لا يتحرك إلا حين يصبح الدم أداة إعلان، لا إنسانًا يُذبح؟
ربما تنتهي الحرب، نعم، لكن لن تنتهي الحقيقة التي ستبقى تصرخ في وجه العالم:
لم تُسكتوا القنابل فى الضفة وغزة، بل استبدلتم بها التصفيق فى أوسلو فى العاشر من ديسمبر.







