أ.ذ. إبراهيم مصطفى المحروقي يكتب: الصورة التي لم تكن عن هدف ضائع!

الصورة التي أمامنا لا تحكي عن هدفٍ ضائع، بل عن إنسان أثقلته اللحظة.
تبدو صورة صلاح ممدّداً على ظهره، والفتى أمامه مصدوماً في بطله وأسطورته، أكثر صدقًا من ألف هدف، فهي لا توثق إخفاقًا رياضيًا، بل توثق لحظة إنسانية عارية من كل زيف.
العظماء لا يُقاس تاريخهم بالنجاحات وحدها، بل بقدرتهم – أيضا -على حمل الإخفاقات فوق ظهورهم دون أن ينكسروا، وصلاح لم يكن يومًا حدثًا عابرًا في الرياضة المصرية والعربية، بل قيمة راسخة في وجدان الشباب:
أن تصل من الحضيض إلى القمة، أن تصعد بجهدك لا بالملأ من قومك، أو بضجيجك!
الصورة تطرح سؤالًا أخلاقيًا قبل أن يكون رياضيًا:
ماذا نريد من أبطالنا؟
هل نريدهم نجومًا لا تسقط؟ أم بشرًا يعلموننا كيف نواجه الخسارة دون أن نفقد قيمة البطولة؟
صلاح لم يصنع مجده بأقدامه أو بأرقامه المذهلة فقط، بل بسلوكه اليومي، بانضباطه الصامت، بقدرته على الحضور دون استعراض.. تحوّل من نموذج رياضي إلى رمز، وحين يصبح الرمز مرآة، فإن كل شرخ فيه ينعكس على من ينظرون إليه.
الفتى الذي جلس في المقهى لم يكن يشاهد مباراة، بل كان يشاهد أسطورته في لحظة ضعف إنساني.
لحظة الإخفاق هنا ليست رياضية فحسب، بل درس تربوي:
ما مسؤولية البطل أمام جمهوره عند شعوره بالإحباط أو السقوط؟ هل يتمدد على ظهره نائما يائساً؟ هل ينسحب، هل يبحث عن مبررات ؟، أم يعود إلى العمل وكأن شيئًا لم يكن؟
أخطر ما نفعله بأبطالنا أننا نحبهم إلى حد افتراض الكمال فيهم، وكأن الخطأ لا يليق بهم، فنرفعهم في نفوسنا إلى مرتبة تفوق البشر، ثم نندهش حين يتصرفون كبشر!
على صلاح أن يدرك أن القيمة الحقيقية للقدوة ليست في العصمة، بل في قدرته على إدارة الأزمة.
الجيل الجديد لا يحتاج من صلاح هدفًا في كل مباراة، بقدر ما يحتاج أن يرى فيه بطلًا لا ينهار حين تخونه اللحظة.
مسؤولية صلاح رمزية:
ليس مطلوبًا منه أن يشرح أو يبرر، بل أن يستمر، وأن يعود إلى التركيز والقدرة على إدارة التغيير، نعم عليه أن يغير من أداءه؛ ليتناسب مع الفريق ورفاقه الجدد.. بل يبدو عليه أيضاً أن يغير من أسلوبه الذي صنع منه ما هو عليه الآن، فالرسائل الكبرى لا تُقال… بل تُمارس.
التاريخ الرياضي مليء بالفرص الضائعة، لكنه لا يحتفظ إلا بأسماء من نهضوا وأحرزوا بعدها.
الفتى المصدوم اليوم في أسطورته لا ينتظر غداً من صلاح أهدافاً بقدر ما ينتظر منه درسًا جديداً: أن السقوط لا يعني النهاية، وأن الانكسار الحقيقي ليس في التعثر، بل في التوقف عن المحاولة.
الصورة – بكل حزنها – ليست دليلا ينتقص من صلاح في شيء فهو بشر، بل تحدي جديد له:
أنه ما زال في قلب المشهد، وأن الأسطورة الحقيقية لا تُقاس بعدد الأهداف والبطولات فقط، بل بعدد المرات التي سقطت فيها، ثم قاومت، ونهضت.
وفي زمنٍ أصيب فيه المجتمع بداء الهشاشة، يصبح أعظم ما يقدّمه بطلٌ أو أسطورة لجيله هو أن يعلّمهم الإيمان بإرادتهم، والثقة بغدٍ واعدٍ ينتظرهم، والصبر على الاحباط… حتى وإن كانوا اليوم ممدّدين على ظهورهم.
الصورة تؤكد أن صلاح في وعي هذا الجيل يتجاوز المستطيل الأخضر؛ فهو لم يرتدِ قميص ناديه فقط، بل حمل سردية كاملة تقول للشباب إن الاجتهاد طريق، وإن الانضباط قيمة، وإن النجاح لا يُورث بل يُنتزع بالصبر.
ومسؤوليته – وإن لم يطلبها – أنه صار مرآة لأحلام هؤلاء الشباب، يرون فيها إمكانية الخروج من الهامش إلى القلب، ومن العادي إلى الاستثنائي، يقيسون بها قدرتهم على الاستمرار حين تضيق بهم السبل، والإيمان بأن ما تحقق لواحد منهم يمكن أن يتحقق لغيره، إذا لم يتخلّوا عن المحاولة.






