كأس الخليج.. محطة انطلاق نحو الإنجازات القارية والعالمية .. وبوابة لتطوير المنشآت الرياضية
على مدار نحو خمسة عقود ونصف العقد، أحدثت كأس الخليج العربي لكرة القدم، تأثيرات إيجابية عميقة على الرياضة في دول منطقة الخليج، سواء على مستوى البنية التحتية أو المستوى الفني للمنتخبات .
فالحدث الخليجي الذي انطلق للمرة الأولى عام 1970، لم يكن فقط فرصة للتنافس بين الدول، بل كان حافزا لدول المنطقة لتحسين منشآتها ومرافقها الرياضية، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتطوير المواهب المحلية .
التجارب المتعددة والنجاحات المختلفة التي تحققت في البطولة خلال نسخها الـ25 الماضية، ساعدت المنتخبات الخليجية في التقدم على الساحة القارية والدولية، وصولا إلى التأهل لنهائيات كأس العالم وتحقيق إنجازات لافتة على مستوى البطولات القارية .
وبطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم، المعروفة باسم “خليجي”، هي إحدى أبرز البطولات الإقليمية في منطقة الخليج العربي، وانطلقت للمرة الأولى عام 1970 في البحرين، وهي تقام كل عامين بمشاركة منتخبات دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى اليمن والعراق في بعض النسخ .
ومنذ انطلاق البطولة، شهدت دول الخليج تحولات كبيرة على مستوى البنية التحتية والمنشآت الرياضية من أجل استضافة البطولة، حيث قامت العديد من دول الخليج ببناء ملاعب رياضية حديثة، ومرافق تدريب متقدمة، وتطوير منظومة إدارة الأحداث الرياضية.
وكانت استضافة كأس الخليج العربي، دافعا للعديد من دول الخليج لإنشاء ملاعب جديدة بمعايير عالمية، مثلما حدث في الكويت والإمارات وقطر والسعودية، والعراق، التي أنشأت ملاعب ضخمة لاستضافة مباريات البطولة، لكن هذه الملاعب لم تكن مخصصة فقط لاستضافة المباريات، بل أصبحت جزءا من البنية التحتية الرياضية الدائمة التي تستضيف أيضا المباريات الدولية وأحداث وبطولات قارية وعالمية أخرى .
ومن أبرز الملاعب التي ارتبطت ببطولة الخليج تاريخيا منذ تأسيسها، استاد خليفة الدولي في الدوحة (عام 1976)، واستاد الملك فهد الدولي (عام 1982)، واستاد البحرين الوطني (1982)، ومجمع السلطان قابوس الرياضي (1985)، ومؤخرا استادي الميناء الدولي (2012) وجذع النخلة الدولي (2013) في العراق، واستادي جابر الأحمد الدولي (2015)، وجابر المبارك (2024) في الكويت .
إلى جانب الملاعب، شهدت دول الخليج طفرة ملحوظة في مرافق التدريب والمراكز الرياضية، التي تستفيد منها المنتخبات الوطنية والأندية المحلية، وتساعد في إعداد أجيال جديدة من اللاعبين الموهوبين، مما يعزز من تطوير كرة القدم على المستوى الوطني .
ومع مرور الزمن والتطور، تطلبت استضافة كأس الخليج أيضا تطوير البنية التحتية السياحية والفنادق والمرافق الخدمية، حيث إن البطولة في السنوات الخيرة بدأت تستقطب أعدادا كبيرة من الجماهير من مختلف الدول، وهو الأمر الذي خدم أيضا استضافة فعاليات رياضية أخرى، وساهم في تعزيز مكانة دول الخليج كمراكز رياضية وسياحية عالمية .
ولم تكن كأس الخليج العربي مجرد بطولة إقليمية، بل كانت بمثابة مسرح تنافسي لتطوير مستوى المنتخبات الخليجية، حيث تزامن تنظيم هذه البطولة مع ازدهار الحركة الرياضية في المنطقة، وساهم في رفع المستوى الفني للاعبين والمنتخبات .
وأعطى إقامة بطولة خليجية بصورة منتظمة، الفرصة للمنتخبات الخليجية في الاحتكاك المستمر والمنافسة مع منتخبات قريبة جغرافيا، الأمر الذي سمح بتبادل الخبرات بين اللاعبين والمدربين، حيث كانت البطولة بمثابة ضرورة ملحة لتطوير المستويات وزيادة الثقة بالنفس لدى اللاعبين، الأمر الذي انعكس لاحقا في المشاركات القارية والدولية .
ومنحت كأس الخليج العربي، الفرصة للاعبين الشباب لإظهار مهاراتهم والتطور في بيئة تنافسية، حيث شهدت البطولة بزوغ نجم العديد من اللاعبين الذين أصبحوا لاحقا نجوم منتخبات بلادهم، وقادوهم للفوز وتحقيق الألقاب القارية أو التواجد في نهائيات كأس العالم .
وعلى مر تاريخ بطولات الخليج، سطع نجم العديد من اللاعبين المميزين، أبرزهم الكويتي جاسم يعقوب، والعراقي حسين سعيد، والسعودي ماجد عبدالله، والإماراتي عدنان الطلياني، والقطري أكرم عفيف، الذين قادوا بلدانهم لتحقيق إنجازات قارية وعالمية، مع مجموعة من اللاعبين المميزين في منتخبات بلدانهم .
وبفضل الاستفادة من تجارب “خليجي”، تمكنت بعض المنتخبات الخليجية من تحقيق إنجازات كبيرة على المستوى القاري والعالمي، فكانت الكويت التي نالت اللقب الخليجي في عشر مناسبات، أول من حققت اللقب الآسيوي عام 1980، وأول المنتخبات العربية الآسيوية تأهلا لنهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 1982 .
ونجح العراق المتوج بأربعة ألقاب خليجية ولقب آسيوي عام 2007، في التأهل إلى المونديال عام 1986، وبعدهما تمكنت الإمارات الفائزة باللقب الخليجي في مناسبتين، من المشاركة في مونديال 1990 .
أما السعودية الفائزة باللقب الخليجي ثلاث مرات، فقد حققت نجاحا مميزا على الصعيد الآسيوي بحصدها اللقب ثلاث مرات أعوام 1984، و1988، و1996، ثم بعدها انطلقت إلى العالمية بتأهلها للمرة الأولى إلى مونديال 1994، ومن ثم حضورها في ست من النسخ الثماني المونديالية الأخيرة، فيما تمكنت قطر التي حققت اللقب الخليجي في ثلاث مناسبات، من تطوير منتخبها والوصول إلى أفضل المواقع خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي مكنها من السيطرة على الكرة الآسيوية بحصدها لقب النسختين الأخيرتين عامي 2019، و2023، فضلا عن ظهورها في نهائيات كأس العالم FIFA قطر 2022.
ولم تكن كأس الخليج مجرد بطولة رياضية، بل كانت أيضا منصة لتعزيز التعاون والتواصل بين دول الخليج، حيث ساعدت البطولة في بناء روابط قوية بين اتحادات كرة القدم في المنطقة، مما ساهم في تبادل الخبرات وتطوير البنية التحتية الفنية والإدارية للرياضة، فضلا عن ان تواجد جماهير خليجية من مختلف الدول في بطولة مشتركة أسهم في تعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بين شعوب المنطقة .
واستغلت الاتحادات الكروية في دول الخليج، البطولة بصورة مميزة لتعزيز التعاون الفني والإداري، مما سمح بنقل المعرفة وتطوير الأساليب التدريبية، بالإضافة إلى أن البطولة أصبحت منصة لتجريب مدربين جدد ولاعبين شباب، مما ساعد على توسيع قاعدة المواهب في المنطقة .
وبفضل التعاون بين دول الخليج، استفادت منتخباتها من التطور الفني والتكتيكي، خاصة بعد استقدام مدربين عالميين ذوي خبرة في كأس الخليج، ساعدوا في تطوير استراتيجيات اللعب وتحسين الأداء الفردي والجماعي للمنتخبات .
وبفضل إرث بطولات الخليج على مر السنين، أصبحت الدول الخليجية قادرة على استضافة بطولات أكبر على المستوى القاري والدولي، مثل كأس آسيا وكأس العالم للأندية، بالإضافة إلى بطولات دولية مثل كأس العالم للشباب .
وساهمت كأس الخليج في بناء السمعة الدولية لدول الخليج كوجهة قادرة على استضافة أحداث رياضية ضخمة، مثلما استضافت الإمارات وقطر بطولتي آسيا عامي 2019 و2023 تواليا، وفوز السعودية بحق استضافة النسخة المقبلة عام 2027 .
ومثلت استضافة دولة قطر لبطولة لكأس العالم FIFA قطر 2022، الإنجاز الأكبر الذي عكس قدرة دول الخليج على تنظيم بطولات عالمية، بفضل البنية التحتية الرياضية التي طورت تدريجيا على مر السنين بفضل بطولات مثل كأس الخليج .
وأصحبت بطولات الخليج على مدار أكثر من خمسة عقود، بمثابة بوابة لتطوير كرة القدم الخليجية، من حيث البنية التحتية والمهارات التكتيكية، ومنصة مهدت الطريق للمنتخبات الخليجية نحو الانطلاق قاريا وعالميا، وتحقيق إنجازات مبهرة دولية مثل التأهل لكأس العالم والفوز بكأس آسيا .