
الأمر ليس خاطرة أبداً، ولا حلماً، ولا مجرد كلمات جوفاء لا أصل لها، لكنها تجربة عايشتها، بشكل أو بآخر، تؤكد أن السبيل إلى الإدارات المحترفة ممكن، وأننا إن فعلنا ذلك سنحصد الكثير من المكاسب، والأهم أننا سنودع هذا العبث.
في الحلقة السابقة والأولى من هذه السلسلة، أكدت كيف أن خبرات ٢٥ سنة في ادارة المستشفيات، كان السبب الرئيسي في أن أكتشف أن مشكلتنا الرئيسية في إدارة الموارد البشرية، وأنه لا توجد لدينا معايير حقيقية للتقييم يتم من خلالها قياس الأداء باحترافية حتي بعد صدور قانون الخدمة المدنية الجديد، مما يؤدي الي انخفاض انتاجية العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وبالتالي ضياع العديد من الفرص وعدم تحقيق كامل أهداف الدولة وتحولها إلى الجمهورية الجديدة فعلا.
واليوم، نجيب عن السؤال: كيف نصل الي الفئات المطلوبة؟ .. والإجابة ببساطة، أنه من الممكن أن يتم تصميم نموذج برقم كودي علي الانترنت يشمل جميع الأسئلة المحترفة التي يمكن من خلالها أن يقوم الخبراء بتحليل تلك البيانات وعمل تقسيم لجميع العاملين بالدولة للمجموعات الثلاث التي تحدثنا عنها في الحلقة الأولي،
واختيار الرقم الكودي لكيلا يخشي أي شخص أن يتحدث بحرية لأن هذا النموذج لابد أن يحتوي علي نظرته للمؤسسة وأفكاره للتطوير مما سيسمح بالحديث بكل طلاقة، ويقيني أننا سنجد الآلاف من الكوادر المختفية والتي لا يبحث عنها أحد وربما لا يراها رغم وجودها وتميزها.
ومن الأهمية بمكان أن يشمل النموذج قياسا للأنماط الشخصية والسمات لأنها وبكل أسف تتحكم في مصائر وزارات ومصالح، إذ أن وجود شخص غير سوي يؤدي إلي نتائج كارثية.
ومن الجدير بالإشارة إليه أن هذه الشركة لابد أن تعد توصيفات وظيفية محترفة بديلا عن تلك التوصيفات النمطية التي لا قيمة لها، تشمل المؤهلات والمهارات اللازمة حرفيا لشغل كل الوظايف من أول السلم الوظيفي حتي نهايته، بحيث يكون هناك نظام محدد واضح لشغل الوظائف يمكن المؤسسة من الاختيار الصحيح دون مجاملة.
وختاما لمهام تلك اللجنة، عليها أن تعد نظام تقييم رقمي لكل العاملين يترجم إلى مهام تفصيلية لكل وظيفة، وهذا النظام الرقمي يمكن المرؤوس من معرفة تفاصيل نظام تقييمه، ولا يمكن باستخدامه مجاملة الموظف أو إيذائه، يعني بالبلدي «واحد زائد واحد يساوي اتنين».
أيضاً لابد كذلك من إعداد جداول مرتبات عادلة، وأنا أقصد عادلة وليست متساوية، تعتمد في المقام الأول علي تقييم قيمة الشخص وما يملكه من مهارات ومؤهلات وسمات وما يستطيع تحقيقه من إنتاجية وما يتحمله من مسئوليات، فلا يستقيم أن يتقاضي عامل في بنك لا يتحمل أي مخاطرة راتبا أعلي من استشاري جراحة يتحمل مخاطرة يومية ممكن أن يتم مقاضاته بسببها.
هذا قليل من كثير، وفي الحلقة القادمة نتحدث كيف سيكون شكل الجهاز الاداري للدولة بعد التنفيذ.
قطعاً هذه خواطر، قد تتفق معها أو تختلف معها، لكننا أبداً لن نختلف على محبتنا للوطن، وأننا ننشد الصالح العام، علينا أن نودع هذا النمط الذي كلفنا الكثير .. علينا أن نتقدم للأمام، يكفينا الوقوف «محلك سر» كل هذه السنوات، آن الأوان لكسر التابوهات.