عاممقال رئيس التحرير

نبيل فكري .. يكتب: إلهامي ترابيس وجامعة دمنهور .. نافذة للأمل

لا أدري لماذا لا أعتد داخلي بأي بحراوي تولى رئاسة جامعة دمنهور، سوى الأستاذ الدكتور إلهامي ترابيس الرئيس الحالي للجامعة .. يبدو أن الأمر عندي ليس مجرد التكليف ولا حتى شهادة ميلاد أو تخرج أو تدرج في مسارات الجامعة.

الأمر عندي يذهب إلى أبعد وأعمق وأقرب .. يرتبط بِطين الأرض والماء وخضرة الشجر وتحدي الصابرين ومثابرة الطامحين، ووجوه الطيبين في «الغيطان»، وكلها مشاهد تلون الصورة الذهنية للدكتور إلهامي، الذي أذكره رغم أنه ليس من جيلي وربما لم ألتقيه، لكنني أذكره حكاية من حكايا كفاحنا الاستثناء في رحلات العناء.. يشاطرك الصورة حتى لو كان الدرب مختلفاً .. هو حصاد الصبر والمثابرة، وربما شيء من «لمبة الجاز» والسير على الجسر والترعة، عبوراً إلى أمل جاءه من جنوب الوادي.

وجامعة دمنهور، لي معها حكايا، رغم أنني لستُ من أبنائها، ففي مستهل رحلتي بعد التخرج، كان أملي أن أعمل معيداً فيها بقسم الإعلام، وقد كنت أول دفعتي في إعلام الأزهر، وطُفْت بورقة ممهورة بتوقيع الدكتور حسين كامل بهاء الدين، بالموافقة على أمنيتي، وكانت وقتها فرعاً من جامعة الإسكندرية، لكن ذلك لم يتحقق، بعدها ظلت صلتي بها مقتصرة على أخبار أبنائنا فيها، نجحوا أم رسبوا.

القصة الأهم في علاقتي بها، كانت في عهد رئيسها الأسبق والأشهر «سلبا»، حين خضت حرباً ضروساً قرابة عامين، بدأت بسبب لائحة كلية الآداب، وتشعبت في مسارات كثيرة، لكن للأسف لم تكن جميعها سوى مسارات للعبث والفوضى، وكلما فتحت باباً في سلسلة التحقيقات التي كتبتها، أفضى إلى «خرابة»، حتى أراد الله للجامعة ولبلدنا الخير، فانقضت تلك الفترة بما عرفناه جميعاً وأذهلنا فرط فساده، وإن لم تذهلنا مآلات فاسديه.

منذ أن تولى الدكتور إلهامي رئاسة الجامعة، وأنا أشفق عليه، فالرجل «عالمٌ» حقيقي، ليس من أولئك الهائمين في «السفسطة» والشعارات، وإنما قضى مسيرته في المختبرات .. هيدروجين وأوكسجين ينتج الماء .. واحد زائد واحد يساوي اثنين .. شخصياً كنت أتمنى ذلك من زمن، أتمناه لكل جامعات مصر، ليحلوا محل أجيال من القيادات كانت أعظم إنجازاتها المؤتمرات و«المكلمات».

ورث الدكتور إلهامي قَطعاً تركة ثقيلة جداً .. هو بالذات يمكن أن تطلق عليه هذه العبارة التي نستخدمها دوماً «ورث تركة ثقيلة»، والتي كانت «المانشيت» الأول في مستهل رحلات كثيرة، دون أن يكون لها معنى حقيقي، فالرجل تسلم جامعة دمنهور، وصورتها الذهنية «مرعبة»، وبوصفي ولي أمر لطالبة في كلية الآداب، كنت أدرك فداحة هذه الصورة، التي جعلت الطلاب أنفسهم وَجِلون، المتفائل منهم يردد: «آهي جامعة والسلام».

منذ أيام التقيت الدكتور إلهامي في حوار مطول رفقة زملائي بـ «الخبر»، تحدثنا فيه عن كل شيء، وكان الانطباع الأهم والأغلى والأروع الذي خرجنا به من مكتبه، أنه لا زال هناك أمل .. وهو انطباع يكفي، لأنه بات شحيحاً وسط «متلازمة اليأس» التي تطاردنا صباح مساء.

يقيني أن هذا يكفي .. أن يكون هناك أمل .. أمل في العمل وفي الإنجاز وفي الحياة، لأن هذه المرحلة من الحياة بالذات هي الأجدر  بالأمل، وأقصد المرحلة الجامعة، مستهل الأمنيات والطموحات وحتى الحب، وكل هذا لن يشرق دونما أمل.

الإجابات عند الدكتور إلهامي مختلفة .. شخصياً انتظرتها من هذا القبيل: لدينا رؤى طموحة ونتطلع إلى مرحل أكثر إشراقاً ! أو: ندرك حجم التحديات التي تواجهنا ونعمل على حلها وفي سبيلنا للخروج من شرنقة «ما اعرفش إيه» ! .. أو «الافتكاسة» الأكثر تجلياً: التوجيه الحكومي لدينا أن نتجاوز الماضي وأن نمضي إلى المستقبل بخطى ثابتة !، وغيرها من هذه العناوين «الفضفاضة»، التي لا أدري من صنعها أولًا .. الإعلام أم «صانعو التابوهات» و«الاكليشيهات».

إجابات الدكتور إلهامي ترابيس، من نوع مختلف .. يرضيك جداً:.. أنجزنا كذا وأنفقنا كذا، وفتحنا كذا، وتطلعاتنا واحد واتنين وتلاتة، وموعدها بالضبط .. نسير بخطى قد تبدو بطيئة لكن حتى لا نعود للخلف.

الأهم أنه يدرك هواجسك وشواغلك، ويغلق دوامات القلق ما استطاع .. هو مثلنا تؤرقه سطوة «الانترنت» والتعليم «أونلاين» ويدرك حقيقة الأمر تماماً، بل ووضع لها حلولاً، تتسق مع رؤية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ويسعى لاستحداث تخصصات واقعية تواكب ما يحدث حولنا، فنسمع مثلاً هذا العام عن تخصص «الأدلة الجنائية» بكلية العلوم، وقرابة عشر تخصصات أخرى من هذا النوع، والأهم أن تلك التخصصات تُراجَع كل فترة، فما اكتفينا منه نستبدله بتخصص آخر.

هو مثلنا يدرك ويقر أن جامعة دمنهور الأهلية، جاءت لتلبي احتياجات شتى، والأهم أنها جاءت لتغلق «متاهة» فرع الجامعة في البستان، الذي أرّق الجميع، خاصة المارين حقيقة أو خيالاً على بنايات العبث طوال سنوات، وهو يدرك أهمية الشراكة مع القطاع الخاص، ولكن بشرط أساسي «الشفافية»، والشفافية عند الدكتور إلهامي ليست مجرد شعار، لكنها آليات وحزم وقرار.

هو أيضاً يؤمن مثلنا أن الرسائل العلمية، والبحث العلمي، ليس ما اعتدناه وما كلفنا الكثير، من رسائل إما على الأرفف أو في محلات السوبر ماركت يلفون بها «السلع»، لكنها يجب أن تكون إنتاجاً حقيقياً يفيد المجتمع، وينتج أشياء حقيقية، لذا كان أكثر شيء أسعدني، ما قاله عن تحالف الجامعة مع غيرها لإنتاج ابتكارات حقيقية بموازنة تقترب من 150 مليون جنيه، وفق خطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتحدث عن الشراكة مع إحدى الجهات الخاصة لابتكار أو إنتاج مادة نستوردها من الخارج بملايين الدولارات، وكذلك ما قاله عن رعاية المبتكرين، واستعداد الجامعة لتبني مشروعاتهم سواء كانوا من أبناء الجامعة أو من خارجها، وكيف تحولت أكشاك «الفوضى» التي ورثها من الماضي إلى مراكز لرعاية هؤلاء المبتكرين.

قضايا كثيرة، طرحناها مع الدكتور إلهامي .. معهد البحوث والدراسات البيئية، والذي تحدث عنه بشجاعة لم أعهدها من مسؤول، والعلاقات الدولية وكيف يعيد بناءها بخطى حثيثة ومدروسة ومسؤولة، والطلاب الوافدين وكيف يراهم سفراء للجامعة، لا مانع من أن يبذل منحة أو أكثر من أجل أن يأتوا.

رائع أن تعود من حيث ذهبت بالأمل .. جميل أن تتأكد أن هذا الوطن لا زال فيه غير هذه الأصناف التي أصابتك باليأس والضجر .. مُبهج أن تشعر أنه لا زال هناك وقت للأمنيات ومتسع للأحلام .. جميل جداً أن يكون في بلدنا من يجيد الفعل وليس الكلام.

اقرأ أيضاً: نبيل فكري .. يكتب: هل فكرت أن تعرف «انت تساوي كام» ؟

اقرأ أيضاً: نبيل فكري .. يكتب: الكرة .. وصناعة التفاهة !

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى