حصيرة البوص «سقف الغلابة» .. والغاب «مأوى الديابة»
السيد وسعد صانعا «السدب»: مهنتنا تقاوم الاندثار .. نصنع الحصير للحظائر والمزراع و«تكعيبة العنب»
تقرير – ثناء القطيفي:
فاكرين «البوص» أو الغاب .. زمان واحنا صغيرين كنا نخاف نعدي من جنبه بالليل .. كنا نظن أنه مسكن «الديابة» أو العفاريت أو مأوى «أمنا الغولة» .. مستنقع و«غاب» وأصوات الهواء تصنع بقية كابوس السراب.
في الصباح كان الأمر مختلفاً وكان الغاب صديقنا .. نراه في أسقف «آلغلابة» يحاول الصمود في وجه المطر، وقد نراه «نايا» أو «زمارة» .. غريب هذا التأرجح بين كل ذلك .. سقف وناي ومأوى «ديابة».
اليوم، لا شيء من تلك المشاهد القديمة، سوى تلك الصورة التي تقاوم الاندثار .. تحت حرارة الشمس رجال يعملون، طيلة النهار تلتف أناملهم حول أعواد الغاب والخيوط، لا يأبهون بالشمس الحارقة ولا الشوك الذي يخرج من الغاب حتي ينتهون من صنع أكبر قدر من الأمتار «حصيرة من البوص» تستخدم فى صناعة أسقف، وأعشاش وحظائر المواشى.
علي أعتاب مركز أدكو التابع لمحافظة البحيرة تجد منحدراً علي أرض زراعية به الكثير من أعواد “البوص” بمختلف أنواعه، وأعواد ترتص جنباً إلى جنب، متشابكة ببعضها البعض بخيوط وأربطة، تزيد من متانتها، أحجام كبيرة وأخرى صغيرة، بالإضافة إلى لوح خشبي يشبه جزع شجرة مستدير، وضعت عليه الخيوط بطريقة مميزة ويقف أمامها “محمد” يضع الغاب ويحرك لفات الخيوط بيديه عكس بعضهما.
ليست الواحدة وإنما وضعت ثلاثة أعواد خشبية لتصبح مصدر رزق لأربعة أشخاص، فضلا عن وجود عماله أخري تقوم ببعض الأعمال الأخري، ولكن جميعها مرتبطة بصناعة واحدة وهي ” صناعة السدب ” التي لا تقتصر صناعتها علي أيام معينة وإنما جميع أيام السنة.
“ ” تجول داخل ورشة صناعة السدب لنتعرف أكثر على طريقة التصنيع وكيف يعملون وما المعاناة التى تواجه العاملين بهذه المهنه.
السيد محمد، صانع السدب الذى ورث تلك المهنة عن والده، ويعمل بها منذ طفولته أكد أن “البوص أو الغاب” نوعين، البوص “الريحى”، والبوص العادى، والريحى وهو الأفضل جودة وأكثر متانة، يخرج من الأراضى الزراعية ويكون على أطراف المساحة المزروعة، لا يكون فى مياه كثيفة، عكس البوص العادى الذى يخرج من البحيرة ويكون مشبعاً بالمياه ونبت وسط مياه كثيفة.
وأضاف ” السيد لـ «»: تأتى الخطوة الثانية بتقشير ذلك البوص، ثم تجميعه فى صفوف على هذا اللوح الخشبى الموجود أمامه، وربطه ببعضه البعض بعدما يغزل حوله خيوطاً بلاستيكية، وقصاقيص الأقمشة التى يشتريها من مخلفات المصانع من العاشر من رمضان والمدن الصناعية، حيث يعقد تلك الأعواد من البوص ببعضها البعض باستخدام تلك الحبال والقصاقيص.
يتابع “السيد “: قديماً كانت تلك الصنعة غير مكلفة، ولكن الآن ومع الغلاء أصبحت تقاوم الاندثار، فكل شىء، حتى بواقى المصانع من قصاقيص الأقمشة والخيوط أصبحت أغلى من السابق، ويقول إن عمر تلك المهنة يمتد لأكثر من 100 عام، وقديماً كانت موجودة على كل بحيرة وكل مصرف زراعى، ولكن الآن يصعب الأمر.
وأكد السيد أحد العاملين بمهنة السدب لـ «» أن تلك المهنه من الأفضل أن تكون ملتصقة بالبحيرات والمسطحات المائية، ليكونوا على مقربة من المكان الذى ينمو فيه الغاب، فلا يزرع ذلك البوص ولكن ينمو داخل المياه الراكدة دون تدخل بشرى.
وتنهد واستدرك: ومع ذلك أصبح الحصول عليه الآن أزمة.. البوص زمان كنا بنجيبه ببلاش، لكن دلوقتى بيتباع ومش متوفر ، حيث تعمل الكراكات والجرافات الخاصة بالمحافظة على اقتلاع ذلك البوص من أجل تطهير البحيرة وتعميقها، وهو ما يضطرهم لشرائه من المحافظات الأخرى، وشار إلى أن الورشه كان يعمل بها أكثر من 50 فرداً ودى مهنتهم ولقمة عيشهم والان أصبحنا 5 منعرفش شغلانة تانية غيرها، وهى مصدر أكل عيشنا.
وأضاف: يستخدم سدب “البوص” فى أسقف العشاش وحظائر المواشى، وتكعيبة العنب، ومزارع البرتقال، ومصدات من الهواء والأتربة للمزارع والعشش التى توضع على الشواطئ فى المدن السياحية، ولكن ذلك الإنتاج يكون له نوع مختلف ومواصفات خاصة.
وأوضح سعد، عامل آخر بالمهنة، أن أكثرالمخاطر التي يتعرض لها من وراء صناعة السدب غير الشمس الحارقة فوق رأسه، الأشواك التي تجرح أصابعهم والحشرات وقال: ” كل شغلة فيها مشقة ولازم نتعب عشان أكل العيش .. الدنيا صعبة ولازم نشتغل.