صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضود والأثمان الباهظة (16)
جرائم وجنايات الوليد بن يزيد
يذكر التاريخ جنايات كثيرة للوليد بن يزيد على الدولة الأموية علي
حد قول الدكتور راغب السرجاني في (قصة الإسلام )، وكان
أعظمها إفساده أبناء عميه هشام والوليد والوزراء والولاة اليمانية
وهم رأس الدولة وعمادها، فقد قام بجلد ابن عمه سليمان بن هشام، وتغريبه إلى عمان لأمور كان ينقمها من أبيه وهو ولي عهده، (يعني أخذ سليمان بذنب أبيه هشام).
وكان سليمان بن هشام محبوبًا ومعدودا في كبار رجالات بني أمية
وكان من رموزهم علمًا وسياسة ودراية بالحروب.
كما أراد الوليد البيعة لابنيه الحكم وعثمان وكانا غلامين، وسجن
الوزير سعيد بن صهيب لنهيه إياه عن البيعة لابنيه، فغضب عليه
وتركه في السجن حتى مات، وعرض أمر البيعة لابنيه على خالد بن عبد الله القسري فرفض.
وكان خالد عميد ولاة الأمويين وشيخ وزرائهم وأعظم قائد لجند اليمانية، فغضب الوليد على خالد.. ومما زاد من غضب الوليد أن خالد القسري تكتم على اليمنية الذين كانوا يخططون لاغتيال الوليد، وأمر بحبس خالد ودفعه إلى يوسف بن عمر الثقفي وهو قريب الحجاج ونسخة مشوهة منه «وكان يقول: إن
الحجاج كان لهبا أنا شراره ووقودا أنا ناره» (حشره الله مع الحجاج).
وكان يوسف بن عمر هو قائد الجيش الذي قتل زيد بن علي بن
الحسين رضوان الله علي آل البيت أجمعين في أواخر خلافة هشام
بن عبدالملك وصلب جثة زيد، فقتل الله يوسف شر قتلة بعد ذلك
بسنوات قلائل ففصل رأسه عن جسده وكان الأطفال يجرون رجليه
في شوارع دمشق.
وكان يوسف بن عمر متكبرا، قصيرا إلي حد القزامة وكان يحاول
أن يداري قصره بإطالة لحيته !.
واستخدمه الوليد بن يزيد في القضاء علي خالد بن عبدالله القسري
شيخ اليمنية وعميد ولاة بني أمية، وكان قرارا كارثيا جر علي الوليد
بن يزيد ويلات كثيرة.
أمرالوليد واليه علي العراق يوسف بن عمر أن يستخرج من خالد
القسري أموال العراق أيام كان واليا عليه، فقبض منه 50 مليون
درهم، وسار به يوسف بن عمر إلى العراق ومكث في العذاب إلى
أن مات قتيلاً سنة 126هـ.
وقد حلف خالد وهو تحت العذاب ألا يكلم يوسف كلمة واحدة فتحمل العذاب صابرا ثابتا دون أن ينطق بكلمة، وكان آل القعقاع يتولون أهم الولايات قبل خلافة الوليد بن يزيد، فكان الوليد بن القعقاع على مدينة قنسرين وعبد الملك أخوه على حمص فعزلهما الوليد وعين يزيد بن عمر بن هبيرة، ودفع إليه آل القعقاع فعذبهم ونكل بهم حتى مات الوليد بن القعقاع وأخوه عبد الملك في العذاب.
هذه الأحداث الملتهبة تتطلب منا نظرة متأنية ومنصفة، لذلك نقول:
إن هشام بن عبدالملك إرتكب خطأ فادحا رغم أنه كان معدودا من
الخلفاء الأقوياء أصحاب السياسة وحسن التصرف في الأمور .. فهو
لم يعزل الوليد من ولاية العهد وفي نفس الوقت لم يقربه منه ليتعلم ويستفيد من خبرات عمه طالما أنه سيكون الخليفة من بعده، بل نغص عليه حياته وجعله يعيش شبه منفي في قصره في الصحراء، وقلبه يشتعل حقدا وغلا علي عمه وأبناء عمه بل أبناء عمومته الآخرين الذين لم يكونوا في صفه، فكان هدفه عندما تولي الخلافة هو الإنتقام الذي جر عليه وعلي الدولة نفسها مصائب كثيرة ،فمات مقتولا وزالت دولة بني أمية بعد مقتله بسنوات قلائل.
قد يقول البعض إن هذا الموقف مشابه لما فعله سليمان بن عبدالملك عندما تولي الخلافة بعد أخيه الوليد لأنه انتقم من ولاة الوليد، وبالأخص الحجاج وولاته وأهل بيته، لكن هناك فارقا شاسعا في الموقفين، فسليمان كان ينتقم من الحجاج وبيت الحجاج لأنهم كانوا محل غضب وكراهية الناس ، ولم يطل هذا الانتقام البيت المرواني نفسه فلم يقترب سليمان من أبناء أخيه الوليد أو إخوته الآخرين وأبنائهم، لأن سليمان كان رجل دولة متمرس يتمتع بخصال حميدة.
إضافة إلي أنه كانت لديه بطانة صالحة تشير عليه بالرأي السديد ،
فكان مستشاره هو عمر بن عبد العزيز ووزيره هو الفقيه العابد
رجاء بن حيوة .. ولم يكن الوليد بن يزيد مثل عمه سليمان في صفاته وبطانته ، فضرب وحدة البيت المرواني في مقتل وكان ذلك من أهم معاول هدم الدولة الأموية .)
سياسة الإنتقام التي سار عليها الوليد بن يزيد جعلت الغضب يشتد
عليه من أبناء عميه هشام والوليد، وآل القعقاع واليمانية وقبائل
مضر، فبدأوا يحرضون الناس عليه .. وظهرت سريعا بوادر الثورة
العارمة التي دفع الوليد حياته ثمنا لها .. فمن هو رأس الحربة في
هذه الثورة ؟ وماهي تداعياتها علي بنيان الدولة الأموية ؟ ..
نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله .