صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (1)
حب الولد.. الآفة الكبري
“لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي” – معاوية بن أبي سفيان
يزيد بن معاوية هو أول ولي عهد في التاريخ الإسلامي
“لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي” .. هذه مقولة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وردت في كتاب البداية والنهاية للامام ابن كثير .. وهي جملة معبرة توحي بما يمكن أن يفعله حب الولد بالناس ملوكا ورعية.
وقد دفعت الدولة الإسلامية علي مر التاريخ ثمنا باهظا لهذه الآفة الكبري (حب الولد).
ومعلوم أن يزيد بن معاوية هو أول ولي عهد في التاريخ الإسلامي.. وكان بئس الولي فالفرق بينه وبين أبيه كالفرق بين الظلمات والنور والظل والحرور.
حب الولد هو الذي أورد أسر وبيوتا موارد التهلكة .. وكان أول بيت هو البيت السفياني الذي خسر الملك والسلطان بسبب يزيد ومافعله يزيد.
حصل يزيد علي ولاية العهد وكان في الأمة من يفوقه خلقا ودينا وحسن تصرف وقدرة علي القيادة .. ونستطيع أن نذكر العشرات من أبناء الصحابة الذي كانوا يستحقون الخلافة بعد معاوية ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر الحسين بن علي ، عبدالله بن العباس، عبدالله بن جعفر، عبدالله بن الزبير، عبدالله بن عمرو بن العاص، عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، وغيرهم كثير.
لم يرث يزيد من صفات أبيه العظيمة أي شيء .. فقد كان معاوية حليما داهية خبيرا بشئون الإدارة والملك..ورجل دولة من الطراز الأول ومن مؤسسي الدول العظام، إستمر سلطانه 20 عاما فخلط الحزم بالمرونة والشدة باللين .. والدهاء بالتغافل .. وأثني عليه الصحابة الذين عاصروه خيرا .
لكن خطأ معاوية في تولية يزيد لايهيل التراب علي تاريخه، وحسبك بمن ولاه عمر وعثمان رضي الله عنهما ومن أحبته رعيته وعاشت في كنفه عزيزة، له أخطاء مثل كل البشر، لكن لا يجب أن ننسي بجوار أخطائه أن له فتوحات عندما كان أميرا علي الشام طوال 20 سنة، وأنه أحسن إدارة الدولة الإسلامية في فترة خلافته التي امتدت 20 سنة أخري.
ويجب ألا ننسي أيضا أن معاوية هو صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم وصهر رسول الله فهو أخو أم المؤمنين حبيبة بنت أبي سفيان، ومن كتبة الوحي، وهو ستر للصحابة فمن هتك الستر كان علي باقي الصحابة أجرأ .
ومعاوية أول الملوك وأعدلهم بشهادة المؤرخين المنصفين.
وننقل هنا هذه المواجهة المهمة التي دارت بين المسور بن مخرمة ومعاوية، وكان «المسور» من صغار الصحابة وينقم علي معاوية أشياء.
عن حميد بن عبد الرحمن قال: حدثني المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال: فلما دخلت عليه قال معاوية: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال: قلت: ارفضنا من هذا أو أحسن في ما قدمنا له، قال معاوية: لتكلمن بذات نفسك، فقال مسور: فلم أدع
شيئًا أعيبه به إلا أخبرته به، قال معاوية : لا أبرأ من الذنوب، فهل لك ذنوب تخاف أن تهلك إن لم يغفرها الله لك، قال: قلت: نعم.
قال: فما يجعلك أحق بأن ترجو المغفرة مني، فو الله لمَا أَليِ من الإصلاح بين الناس، وإقامة الحدود، والجهاد في سبيل الله، والأمور العظام التي تحصيها أكثر مما تلي، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات، ويعفو فيه عن السيئات، والله مع ذلك ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه.
قال مسور: ففكرت حين قال لي ما قال، فوجدته قد خصمني، فكان إذا ذكر المسور معاوية بعد ذلك دعا له بخير.
وكان معاوية قد أوصي يزيد بأشياء لكن إبنه لم يعمل بها، وهذا ذنب يزيد، وليس ذنب معاوية ، فقد قال عيسى بن يزيد بن بكر: لما اشتد مرض معاوية رضي الله عنه بعث إلى إبنه يزيد فلما دخل عليه خلا به وأخرج عنه أهل بيته، وقال: يا بني إني قد وطأت لك الأمور، وأخضعت لك رقاب العرب، وكفيتك الرحلة والترحال، وجمعت لك ما لم يجمعه أحد، وإني لست أخاف أن ينازعك في هذا الأمر إلا ثلاثة نفر: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة وتخلى من الدنيا وشغل نفسه بالقرآن، وما أظنه يقاتل عليها إلا أن تأتيه عفواً، وأما الذي يجثم جثوم الأسد ويروغ روغان الثعلب، فإن أمكنته الفرصة وثب فابن الزبير، فإن هو فعل فاستمكنت منه فقطعه إرباً إرباً إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فاقبل منه واحقن دماء قومك تقبل قلوبهم إليك.
وأما الحسين بن علي فإن له رحماً وحقاً وولادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه عليك، فإن قدرت عليه فاصفح عنه.. فإني لو كنت صاحبه صفحت وعفوت عنه،قم عني.
وليت يزيد قبل نصيحة أبيه وعمل بها لكنه اتبع هواه فكان من الضالين الخاسرين .
وللحديث بقية إن شاء الله .