صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض والأثمان الباهظة (21)
الأعداء يتكالبون علي مروان
لم يمت يزيد بن الوليد بن عبد الملك (يزيد الناقص) إلا بعد أن مزق الروابط القوية في البيت الأموي كما قلنا من قبل .. وكان ابن جارية فارسية من بنات كسري .. وكان سببا في خروج الخلافة من بيت جده عبدالملك بن مروان لتذهب إلي بيت ابن عم أبيه مروان بن محمد الذي كان من أبرز رجالات بني أمية شجاعة وعقلا .. وكان قبل توليه الخلافة، والياً على إقليم أرمينية وأذربيجان. وأظهر كفاءة وقدرة في إدارة شئون ولايته، فرد غارات الترك والخزر على حدود ولايته وأخمد ثورات الأتراك والخزر والكرج في منطقة القوقاز وأرمينيا .. وكان له دور كبير في ترسيخ الإسلام في تلك المناطق.
وعندما صعد للحكم وتولى الخلافة، كانت المؤامرات والفتن تحيط بدولته من كل جانب، وتكالب عليه الأعداء، أولهم أبناء عمومته من بني عبدالملك بن مروان الذين استكثروا علي فرع آخر من فرع بيتهم أن ينال الخلافة، وهو فرع عمهم محمد بن مروان ممثلا في ولده مروان.
وثاني الأعداء، هم الخوارج الذين كانوا شوكة في ظهر الدولة الأموية ولم يكفوا عن الخروج، وكان الاسثناء الوحيد، عصر عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، فبعدله وصلاحه وتقواه، أجبر الخوارج علي أن يضعوا السلاح، لكن قبله وبعده كانوا كموج البحر يهدأ حينا ويعلو أحيانا .
والخوارج اجتهدوا في العبادة لكن عندهم تنطع وغلو في الدين فحكموا علي أهل المعاصي بالكفر وقال فيهم الرسول صلي الله عليه وسلم: يمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه، كما قال صلي الله عليه وسلم: يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، فإنه أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم.
(كان الخوارج شياطين الحروب وفرسان الميادين وأول ظهور حربي لهم في عهد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وكانت موقعة النهروان أول موقعة بين دولة الخلافة والخوارج وانتصر جيش علي.
ولم يسفك الخوارج طوال تاريخهم سوي الدماء المسلمة ولم يخربوا سوي مدن الإسلام، فلم يحاربوا يوما أعداء الإسلام وكانت كل حروبهم مع دولة الخلافة بداية من عهد علي رضي الله عنه ومروا بالعصرين الأموي والعباسي.
ورغم عقيدتهم الفاسدة إلا انهم كانوا أشد الناس بأسا في الحروب وكان الجيش الصغير منهم يهزم جيوشا جرارة لدولة الخلافة، ولا ينكسر هذا الجيش الصغير إلا بعد أن يكون هزم جيوشا كثيرة وسفك دماء غزيرة.
ومن شياطين الخوارج الذين جرعوا الدولة الأموية مرارة الهزائم والانكسارات، قطري بن الفجاءة وشبيب بن نعيم الشيباني، وكانت نهاية قطري علي يدي خبير الحروب مع الخوارج وهو المهلب بن ابي صفرة، أما شبيب، فهزم خمسة جيوش للحجاج وقتل قوادهم واحدا بعد الآخر.
وقد نذرت زوجته غزالة أن تصلي ركعتين في مسجد الكوفة بالبقرة وآل عمران في عز سلطان الحجاج، فصلت وكان زوجها شبيب ومعه 70 رجلا يحرسونها فلم يجرؤ الحجاج علي مواجهة شبيب وغزالة، حتي قال الشاعر ساخرا من جبن الحجاج في مواجهة امرأة :
أسد علي وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلي غزالة في الوغي
بل كان قلبك في جناحي طائر
(معني فتخاء الناقة)
ولم يجد الحجاج مفرا من الاستنجاد بالخليفة عبدالملك بن مروان الذي أمده بجيش من الشام بقياد سفيان بن الأبرد وبعد معاناة وجهد جهيد انهزم شبيب وانقطع به الجسر ووقع في النهر وغرق فقال وهو يغرق “ذلك تقدير العزيز الحكيم “.
وأخرجوا جثته وشقوا بطنه واستخرجوا قلبه فوجدوه قطعة صلبة كأنه صخرة ثم وجدوا داخل هذه الصخرة قلباً صغير وكانت أمه جهيزة قالت: لما ولدت «شبيبا» أحسست أن نارا خرجت مني ملأت الأفق .. والنار لايطفؤها إلا الماء.
وكان مروان بن محمد علي موعد مع خارجي آخر من بني شيبان هو الضحاك بن قيس، نعرف قصته في الحلقة المقبلة إن شاء الله .