صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض والأثمان الباهظة (22)
مروان يصطدم بالضحاك .. وينتقم من اهل بيته
كان يزيد بن الوليد بن عبدالملك في فترة خلافته القصيرة قد ولي عبد الله بن عمر بن عبدالعزيز العراق، لكن مروان عزله وولي النضر بن سعيد. وكان من قواد عبدالله، فرفض العزل ونشبت حرب بين عبدالله والنضر.
وكانت حالة الانقسام الرهيبة التي ضربت البيت الأموي قد هيأت الأرض للخوارج ليعلنوا عن أنفسهم بقوة من خلال سعيد بن بهدل الشيباني الذي خرج في كفرتوثا وهي قرية كبيرة من الجزيرة الفراتية التي كانت وقتها إقليما يمتد عبر شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق وجنوب شرق تركيا.
وعندما علم بالخلاف الناشب في العراق بين عبدالله والنضر وجدها فرصة ليحتل العراق، لكنه مات في الطريق فخلفه الضحاك بن قيس الشيباني وكان شجاعا داهية، وزحف إلي العراق بجيش قوامه 4 آلاف كما جاء في تاريخ ابن الأثير.
فأرسل عبدالله بن عمر إلي النضر يقول له إن هذا المارق يقصدني أنا وأنت فلننس ما بيننا ونتعاهد علي حرب الضحاك، واتفق الاثنان علي حرب الضحاك، وكانت معركة دامية، قتل فيها عاصم بن عمر بعد ان أبلي بلاء حسنا فحزن عليه أخوه عبد الله ورثاه بأبيات بليغة.
وانهزم عبدالله والنضر وتفرق الناس عنهما فنزلا مدينة واسط وتركا الكوفة للضحاك، وكان مع عبدالله في هذه الحرب منصور بن جمهور وهو من الستة الذين قتلوا الخليفة الوليد بن يزيد، فقال لعبد الله: لماذا تحارب الخوارج وتشغلهم عن مروان؟.. أعطهم الرضا واجعلهم بينك وبين مروان فإنهم يرجعون عنا إليه ويوسعونه شراً، فإن ظفروا به كان ما أردت وكنت عندهم آمناً، وإن ظفر بهم وأردت خلافه وقتاله قاتلته وأنت مستريح.
فقال ابن عمر: لا أعجل حتى ننظر، فلحق بهم منصور، وبايعهم، ثم صالحهم عبد الله بن عمر، وبايع الضحاك ومعه سليمان بن هشام بن عبدالملك وداود بن سليمان بن عبدالملك (وكانت أعجوبة الأعاجيب أن يبايع ثلاثة أمراء كبار من البيت الأموي، والثلاثة أبناء خلفاء لرجل من الخوارج ويشهدوا له بإمرة المؤمنين !!).
كانت شوكة الضحاك قد قويت، وزاد رجاله حتي وصل جيشه إلي آلاف كثيرة فكتب اليه مروان: ليتك شغلت نفسك بصلاحها والكف عن دماء المسلمين، فرد الضحاك قائلا: ليس عندي شغل أحب إلي من قتال أهل الكفر والنفاق.
وقال له بعض أنصاره لقد اجتمع لك مالم يجتمع لأحد كان علي رأينا منذ أن اختلف الناس، فأرسل إلي مروان من تحب وكن أنت ردءا للمسلمين وأمدد جيشك بالمدد بعد المدد (وكان هذا الرأي نعم الصواب ..لكنها الأقدار التي تسوق الناس إلي آجالهم سوقا ).
فقال الضحاك : لقد أعطيت الله عهدا إن جمعني بهذا الجبار معسكر ( يقصد مروان بن محمد ) ألا أدع جهدي.
وجاء مروان بجيش كبير وعلي ميمنته ابنه عبدالله وعلي ميسرته اسحاق بن مسلم العقيلي ولأن الداهية يقرأ أفعال الداهية مثله، فقد أدرك مروان أن سبب ورطته مع الضحاك هو عبدالله بن عمر، فقال مروان: رماني عبد الله بثلاثين ألف سيف من الخوارج وجلس مستريحا في مدينة واسط .. إنه داهية العرب.
ودارت معركة رهيبة بين مروان والضحاك ودامت ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث قال الضحاك لأقرب رجاله: لم يعد لي في الحياة أرب وعلي سبعة دراهم، في كمي ثلاثة منها فاقضوها عني، وإن أنا قتلت فعلي صلاتكم شيبان بن سلمة، وعلي حربكم الخيبري، ولم يعهد لأحد بشكل صريح.
أسرع الضحاك وراء أقداره واستل فرقة من الجيش دون علم باقي الجيش وحارب ليلا ولم يدر به الناس إلا وهو مقتول، فكفي الله مروان شر أكبر وأقوي جيش للخوارج في تاريخ حروبهم، وانفرط عقد الخوارج بعد مقتل الضحاك فلم يكن خليفته شيبان بن سلمة مثل الضحاك لذلك تفرق عنه جمع كبير.
وبدأت الأمور تستقر نسبيا لمروان الذي كان شديد الغيظ علي أهل بيته الذين حاربوه فأمر واليه الجديد علي العراق يزيد بن هبيرة بحبس عبدالله بن عمر وظل في الحبس حتي مات.
(رواية تقول إن مروان أمر بدس السم له في لبن).
وكان مروان أشد غيظا علي سليمان بن هشام بن عبدالملك لأنه يجمعهما القرابة والنسب أيضا فقد كانت أخت هشام زوجة لابن مروان، لذلك لما وقع أحد أبناء إخوة هشام في أسره وهو أمية بن معاوية، أمر مروان بقطع يديه وضرب عنقه.
وأغلب الظن أن رجلا آخر غير مروان من بني أمية في نهاية دولتهم ما كان يقدر علي الصمود 5 سنوات شهدت أهوالا تزلزل الجبال الرواسي.
فماذا فعل مروان وكيف استقبل الأحداث الجسام بعد ذلك ؟
نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله .