أدب و أدباء - تحرره نوال شلباية
فكري عمر .. يقرأ في رواية عمرو الرديني «أربعة حِبال.. تسعة مشابك»!
إنه الليل، حيث تُغلِق البيوت أبوابها، وشبابيكها في وجه العتمة، وعيون الغرباء. غير أنها بذلك لا تغلق على نفسها أسرارها، فالأسرار معلقة هناك على حِبال الغسيل. تهفهف أمام عيني البطل الوحيد المتلصص، تدله على أذواق أصحابها، وطبقتهم الاجتماعية، وهي معلقة بمشابك مختلفة الأشكال، والأحجام. مشابك ليست صامتة تمامًا كما يتراءى للناظر المُتعجل، لكنها خازنة أسرار هي الأخرى. تبوح بما يعتمل داخلها، وبما تراه، وما تعرفه من خلال حوارها مع الملابس التي تمسكها حتى تجف.
ثمة حياة أخرى خارج الأبواب، والشبابيك الموصدة. حياة تبحث أدق التفاصيل رغم المساء الذي ينشر ظلاله على الأشياء نفسها وهو يظن أنه يواريها. إنها حياة تتمرد على الظلام، والصمت، والسكون. حياة تربطها همسات، وهمهمات، وربما صراخ، وتأوهات منفلتة يسمعها البطل الذي يترصدها كل ليلة وهو يمارس إدمانه المحبب: قزقزة اللب الأسمر، وارتشاف أكواب الشاي التي يصنعها بمهارة (على مياه بيضاء) فيما يمارس التلصص بعينيه، أو بمنظاره.
وربما يكون الفصل الذي يُعلن فيه الراوي تفاصيل إدمانه للب الأسمر هو معادل لعملية التسلية بالتلصص على حياة الآخرين. كأنها بديل لحياته التي لم يعشها كما ينبغي، حيث الأحلام مؤجلة، أو موءودة، وإن لم يعلن ذلك صراحة فإنه يومئ به في سخريته من إعلان الوظيفة الخالية، وفي تماهيه مع عم “أنور”، ذلك العجوز الذي يسرق الملابس الداخلية للنساء من فوق الحبال بكماشته الضخمة، وشبكته التي تتلقف القطعة المقصودة كأنها تتلقف سمكة من الماء، وهو أمر يثير الضجيج والرغبة في الانتقام لدى رجال الشارع، وإثر انكشافه يخطط العم “أنور” للهرب تاركًا للبطل حِباله الأربع، ومشابكه التسعة، وقطعة سبعينية كانت لحبيبته المسيحية التي لم يتح له الارتباط بها. إنه يورث البطل خصاله، مثلما ورث ساكن الشقة السابق للبطل دفتر مذكرات التلصص أسود اللون.
إن البطل لا يُعلن عن اسمه؛ ليتجاور البعد الواقعي والبعد الرمزي في التعبير المجازى عن رغباتنا كبشر إلى الانزلاق في حياة الآخرين دون أن يشعروا، حتى نُرتق حكايتنا بحكايات أخرى للتسلية، أو العزاء، أو اكتشاف منطق يحكم الأشياء والحياة غير الطبيعية، فيحمينا من الانهيار الداخلي، والضياع.
والمعنى الواقعي يمشى جنبًا إلى جنب مع البعد المجازى في تجاور تحاول نقلة لغة سرد تميل إلى استنطاق الجمادات، ومنحها متنًا يجاور المتن الإنساني متخذًا لغته وسماته التي تفلت منها بعض الصياغات الضعيفة، أو الملتبسة نتيجة بعض الأخطاء، بالإضافة إلى أن مساحة المسكوت عنه كانت كبيرة بحيث لا يمكن للقارئ وحده أن يصل إليها.
ويبدو أن الراوي يميل إلى مبدأ التجاور، والكتابة الممتدة والمتشعبة مع كتابات الآخرين، وكتاباته السابقة، ومشاريعه الإبداعية القادمة، لذا فإنه أكثر من المقدمات، والإحالات، والفواصل، والمربعات الشعرية التي ألفها الراوي بنفسه.
كأنك بإزاء مجموعة كبيرة من النصوص بجوار المتن الرئيسي وهو متن الحكاية، لتكتشف أن المتن نفسه ينزاح أحيانًا وتحل بدلًا منه هوامش، أو تتمازج معه، فالقراءة تكشف كل مرة عن علاقات جديدة ما بين متن الحياة التقليدي حيث مركزية الإنسان، وهوامشها التي ربما تحكم الصراع، وتوجهه في كثير من الأحايين.
وربما يكون الفصل الذي يُعلن فيه الراوي تفاصيل إدمانه للب الأسمر هو معادل لعملية التسلية بالتلصص على حياة الآخرين. كأنها بديل لحياته التي لم يعشها كما ينبغي، حيث الأحلام مؤجلة، أو موءودة، وإن لم يعلن ذلك صراحة فإنه يومئ به في سخريته من إعلان الوظيفة الخالية، وفي تماهيه مع عم “أنور”، ذلك العجوز الذي يسرق الملابس الداخلية للنساء من فوق الحبال بكماشته الضخمة، وشبكته التي تتلقف القطعة المقصودة كأنها تتلقف سمكة من الماء، وهو أمر يثير الضجيج والرغبة في الانتقام لدى رجال الشارع، وإثر انكشافه يخطط العم “أنور” للهرب تاركًا للبطل حِباله الأربع، ومشابكه التسعة، وقطعة سبعينية كانت لحبيبته المسيحية التي لم يتح له الارتباط بها. إنه يورث البطل خصاله، مثلما ورث ساكن الشقة السابق للبطل دفتر مذكرات التلصص أسود اللون.
إن البطل لا يُعلن عن اسمه؛ ليتجاور البعد الواقعي والبعد الرمزي في التعبير المجازى عن رغباتنا كبشر إلى الانزلاق في حياة الآخرين دون أن يشعروا، حتى نُرتق حكايتنا بحكايات أخرى للتسلية، أو العزاء، أو اكتشاف منطق يحكم الأشياء والحياة غير الطبيعية، فيحمينا من الانهيار الداخلي، والضياع.
والمعنى الواقعي يمشى جنبًا إلى جنب مع البعد المجازى في تجاور تحاول نقلة لغة سرد تميل إلى استنطاق الجمادات، ومنحها متنًا يجاور المتن الإنساني متخذًا لغته وسماته التي تفلت منها بعض الصياغات الضعيفة، أو الملتبسة نتيجة بعض الأخطاء، بالإضافة إلى أن مساحة المسكوت عنه كانت كبيرة بحيث لا يمكن للقارئ وحده أن يصل إليها.
ويبدو أن الراوي يميل إلى مبدأ التجاور، والكتابة الممتدة والمتشعبة مع كتابات الآخرين، وكتاباته السابقة، ومشاريعه الإبداعية القادمة، لذا فإنه أكثر من المقدمات، والإحالات، والفواصل، والمربعات الشعرية التي ألفها الراوي بنفسه.
كأنك بإزاء مجموعة كبيرة من النصوص بجوار المتن الرئيسي وهو متن الحكاية، لتكتشف أن المتن نفسه ينزاح أحيانًا وتحل بدلًا منه هوامش، أو تتمازج معه، فالقراءة تكشف كل مرة عن علاقات جديدة ما بين متن الحياة التقليدي حيث مركزية الإنسان، وهوامشها التي ربما تحكم الصراع، وتوجهه في كثير من الأحايين.