مقالات

لمن أشكو أحزاني ؟

«لمن أشكو أحزاني» عنوان قصة كتبها العملاق الروسي أنطون تشيخوف والتي تدور في بالي كثيرا هذه الأيام بطلها ذاك الحوذي (أيونا)  الذي كانت تتوق نفسه لأن يشاركه أحد الزبائن الذين يوصلهم كل يوم بعربته التي يجرها حصانه ما يعاني منه من مشاكل جسام
ولكن لا يجد إلا نفوسا أغلقت آذانها وعيونا لا تأبه بما يقول
لم يجد (أيونا)  في النهاية إلا هذا الحصان الذي يشاركه المشقة كل يوم ليتحدث معه عله يخفف عنه ما أثقل عليه من تبعات الدهر وتقلباته
‏وقد تتساءل: ماذا تريد أن تقول ؟.. فأرجوك عزيزي القارئ لا تأخذ كلامي على محمل الجد ولا ترفع ضغطك ولا ترهق أعصابك فحسبي من هذا النزر اليسير من الكلام أول ثلاث كلمات من المقال
‏لمن أشكو أحزاني ؟
أحس بمرارة وغصة في الحلق حينما أرى ما يشغلني ويشغل بال أمتي ووطني من سفاسف الأمور وتوافه الأشياء فلم تعد الساحة الآن متاحة إلا لأصحاب المطاعم والكافيهات و«الفود بلوجر» ومشاهير التيكتوكر وأصحاب المحتوى التافه والراقصات والراقصين والجاهلين الذين ينعقون بما لا يعلمون في المواسم بتحريم الاحتفال بالمولد النبوي أو تهنئة المسيحيين بأعياد ميلادهم أو  أن ما حل من حرائق في أمريكا هو انتقام إلهي أم لا ، أو ما يحدث على شاشات التلفاز من تصدر العرافين والمخرفين وأصحاب الميول الجنسية الشاذة المشهد، أو ما نشاهده كل يوم من «طرطرة كروية» من أصحاب البرامج الرياضية ولاعبي الكرة الذين يتقاضون الملايين، وقد تتهمني بالحقد عزيزي القارئ أنك لا تستطيع أن تصل إلى ربع ما وصل إليه هؤلاء أقول لك بالطبع لن أصل فأنا «بتاع بحث علمي» واسمحلي أقولك بتاع ما أصل البتاع ده هو اللي مخليني عندي إحساس  أو مخليني ورا
‏ لسه مش عارف أختار إيه الصراحة
دعني أعود مرة أخرى إلى التحدث بالفصحى. إن القضية قضية أخلاقية في المقام الأول
يزيد احترامي كلما قرأت الشاعر أحمد شوقي وهو يقول في نصه الذي يستشرف فيه حال الأمم التي أسقطت قيمة الأخلاق من حساباتها
‏ إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وللأسف عاينت ذهاب هذه الأخلاق في هذا المشهد الذي حدث في تلك المدرسة ..
فتاة لا تتعدى السبعة عشر عاما تعتدي على طفلة في عمر العشر سنوات والجميع حريص على التوثيق والتصوير .. أين ذهبت النخوة وكيف أصبحنا بهذه الهشاشة .. أين العاطفة التي وضعها الله في الإنسان أليس فيكم رجل رشيد ؟
من المسؤول الذي أخرج لنا وحشا لم تكتمل وحشيته بعد
‏إننا نحصد ما زرعناه وما سكتنا عنه  لسنوات ماضية
‏أريد أن أذهب إلى هذه الطفلة .. أريد أن تفصح لي عما تشعر به الآن نحو أخيها الإنسان حينما ترى هذا المشهد الذي لن تتخطاه أبدا .. إن الفاجعة ليست في الضرب وقلة النخوة والتسيب الأمني بل المشكلة أننا سنصنع من هذه الطفلة وحشا أيضا، فقد  أدركت أنه انتهك فيها أروع شيء قد يضعه الله في الإنسان إنه حب الإنسان لأخيه الإنسان
إن الذي حدث في مدرسة التجمع يثبت أنه لا البيئة ولا المكانة الاجتماعية ولا التعليم المعتمد على المظهرة يخلق إنسانا كاملا مكملا سويا كما أراده الله
أعتقد أننا فشلنا في أن نكون خليفته بحق على هذه الأرض حتى الآن
فما وصلنا إليه من تقدم علمي ساعد على اختصار المسافات بيننا إلا أننا ابتعدنا كثيرا عن بعضنا البعض ابتعدت المحبة وابتعدت الأخلاق  .. كل متقوقع في ذاته
فحتى الآن لم نحقق الغاية الجماعية الأسمى من خلقنا
ولن نحقق ذاك حتى نعود إلى حبيبنا الأول نتعلم منه الحب  والتسامح حتى نستطيع أن نعي ونفهم ما أنزله علينا
ولعلك تتساءل عن علاقة قصة الحوذي التي سردتها لك وبين ما قلت الآن ..
أقول لك إني وإن كنت أشعر بحالة من الغثيان فيما أراه وأسمع على مواقع  التشرد الاجتماعي  إلا أنها الآن أصبحت بالنسبة لي مثل ذاك الحصان الذي أصبح الأذن الوحيدة لصاحبه ولكن  اعلم عزيزي القارئ أن كليهما لا يعيان ولا يشعران، أضف إلى ذلك أن آفتكما النسيان (وانتبه إلى ضمير الكاف )
ولا أريد أن أبرئ نفسي فكلنا فاسدون كما قال الفنان ..  لأول مرة أستشعر هذه الكلمة ويقشعر بدني لها خوفا
وأن الدائرة بالتأكيد ستدور علينا جميعا
عزيزي إذا كنت قد وصلت إلى هذه المرحلة من المقال  وأشك في ذلك طبعا فحسبك أن تعلم أن هذا كله مجرد كلام مثل كلام الحوذي (ايونا)  لحصانه  لن يقدم ولن يؤخر إلا…

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى