مقالات

«الأبواب المغلقة» .. «ابن حتاتة» أروع من خالد يوسف !

في سنة 1999 عمل المخرج عاطف حتاتة (ابن شريف حتاتة ونوال السعداوي) فيلمه الوحيد “الأبواب المغلقة”، واختاره له لحظة غزو صدام للكويت كنقطة صفر.
……………………..
بس حط موضوع الغزو في الخلفية من خلال شاشة التلفزيون والأخبار وتعليقات بسيطة في الحوار.. وركز على قصة “أخوين” سافر الكبير للعراق وانقطعت أخباره منذ ثلاث سنوات.. والأصغر مراهق اسمه “حمادة” (أحمد عزمي) عايش مع أمه المطلقة (سوسن بدر).
………………..
بعد الفيلم بشهور عمل خالد يوسف فيلمه “العاصفة” واشتغل كمان على فكرة “الأخوين” والأم.. بس أخ بيحارب مع العراق والتاني بيحارب مع الكويت.. وعمل فيلم سطحي ودعائي متسق مع شخصيته القومجية.
……………………..
لما بقارن الفيلمين ببعض.. بشوف أنه عاطف حتاتة قدم فيلم سينمائي باجتهاد كبير جدا، ومصداقية عالية.. ولا يقارن بتفاهة وسطحية فيلم خالد يوسف.. بس عاطف معملش غيره ومعرفش راح فين.. وخالد بعدها بقى نجم نجوم في عالم الإخراج.
……………….
بالتأكيد الاتنين كان عندهم قضية ونبرة عالية.. ومنطقي أنه ابن شريف حتاتة ونوال السعداوي يبقى عنده مقولات مهمة دور لها على معادل بصري بذكاء وصدق.
………………
اللحظة الهباب اللي صورها في فيلمه أنا عشتها وأنا داخل أولى جامعة وقتها.. واعتقد مافيش شاب مصري وقتها الا فيه ملمح معين من شخصية حمادة.
الشاب اللي عاش تناقضات اللحظة التاريخية ما بين اختفاء أثر أخوه الكبير في العراق، وأبوه طلق أمه عشان يتجوز بنت صغيرة وفاتح مكتب لتسفير المصريين، وأمه اللي اضطرت تشتغل خدامة في البيوت، والدروس الخصوصية واللي كان بطلها “محمود حميدة”، ونشاط الجماعات الدينية في تجنيد المراهقين بقيادة “أحمد فؤاد سليم”، والمومس “منال عفيفي” اللي ساكنة معاهم على السطوح وبتصرف على جوزها.
………………………
باختصار حتاتة قدم تشريح  مادي وماركسي صادق جدا لكل ما كان يجري في الواقع المصري في لحظة سنة 1990، وابتعد عن أي تزويق أو خداع للنفس.. عشان كدا الرؤية جاءت قاتمة جدا وكابوسية ومش بتعطي أي أمل في بكرة.
…………………
ومع إني مش بحب الواقعية القاتمة دي، واللي بتستمد جمالياتها من الواقعية الإيطالية، بس الفيلم بعد عشرين سنة، مازال صادق جدا في تعبيره عن مآلات المجتمع المصري.
…………………
وأظن أن حتاتة انشغل بالتأريخ الاجتماعي أكتر من السياسي، عشان كدا السلطة مش حاضرة قوي (رغم أن كل أصابع الاتهام بتشير إليها) وكمان الطموح السياسي للجماعات الدينية ماكنش واضح.. ولا حتى أشار إلى اغتيال رئيس مجلس الشعب المصري في الوقت دا تقريبا..
…………………………….
مونتاج وإيقاع الفيلم كان متأني جدا، وإن كنت أفضل تسريع الإيقاع شوية وحذف بعض اللقطات. والتصوير ومواقعه عبرت بشكل رائع وصادق عن الحارة الشعبية وضجيج القاهرة.. وكل مشهد كان بيقول رسالة.. زي مصرع صديق حمادة “عوضين” في الشارع وهو بياع مناديل وورد (لعب دوره المرحوم ماهر عصام) وزي مشهد “حمادة” وهو بيبع ورد لشابة مصري راكبة سيارة مع شخص خليجي.
……………………….
الرؤية الكابوسية بتنتهي نهاية ميلودرامية.. ودموية.. كأنها نبوءة.. ويفترض فيلم زي دا يعرض باستمرار على القنوات المصرية لأنه قدم تحليل جيد جدا لظاهرة الإرهاب، من الفقر، للكبت الجنسي، لضغف الأداء الحكومي، لترك الجماعات الدينية تمارس نشاطها في غسل دماغ المراهقين من الطبقات الفقيرة، بحجة الدعوة إلى الله. وإزاي ولد ذكي بيتحول بسهولة إلى إرهابي متشدد وقاتل.
………..
ومازلت بعد عشرين سنة بشوفه من أفضل الأفلام المصرية على الإطلاق في تناول ظاهرة الإرهاب.. وميزته أنه مش بيجمل معالجته لمصلحة أي طرف.. ولا بيرفع المسؤولية عن الحكومة ذاتها.
لأنه الإرهاب زي عفريت بيطلع في بيئة فيها مساحات خراب كتيرة جدا.
Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى