تحقيقات وتقارير

الائتلاف الحاكم في اليابان يواجه رياحا معاكسة .. بعد الانتخابات المبكرة

بدأ رئيس الوزراء الياباني ورئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي شيجيرو إيشيبا رحلة البحث عن شركاء جدد ودعم إضافي من أحزاب المعارضة، لتشكيل حكومة مستقرة في بلاده، وذلك بعد أن تلقى الائتلاف الحاكم الذي يرأسه ضربة قوية في الانتخابات المبكرة التي جرت هناك أمس.

وقد خسر الائتلاف الحاكم أغلبيته في مجلس النواب، وذلك للمرة الأولى منذ 2009، ما يمثل انتكاسة مريرة لرئيس الوزراء الجديد، الذي دعا إلى هذه الانتخابات المبكرة على أمل تعزيز سلطته، لكنها أتت بنتائج معاكسة تماما.

وقد حصل الحزب الليبرالي الديمقراطي على 191 مقعدا، وشريكه في الائتلاف حزب كوميتو على 24 مقعدا، ولم يتمكنا إلا من تأمين 215 مقعدا مجتمعين، وهو ما يقل عن 233 مقعدا اللازمة للأغلبية البسيطة، وكان الفائز الأكبر هو الحزب الديمقراطي الدستوري الياباني المعارض، الذي حصل على 143 مقعدا الآن، وهو ما يمثل قفزة حيث كان يشغل 98 مقعدا في السابق، بينما حصل حزب تجديد اليابان على 38 مقعدا، وحصل الحزب الشيوعي الياباني على 8 مقاعد، وحصل الحزب الديمقراطي من أجل الشعب على 28 مقعدا، أي أربعة أمثال العدد الذي كان لديه قبل التصويت.

غير أن الحزب الديمقراطي الليبرالي ونظرا لافتقاره إلى الأغلبية المطلقة مع شريكه في الائتلاف حزب كوميتو، سيتعين عليه إيجاد حلفاء آخرين أو تشكيل حكومة أقلية هشة، ومن المتوقع أيضا أن تواجه أحزاب المعارضة، التي تتألف من قوى ليبرالية وأخرى يمينية، صعوبة في التعاون في تشكيل ائتلاف بسبب الاختلافات في أهدافها السياسية.

وكان رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا قد قال قبل التصويت إنه إذا تمكن الحزب الليبرالي الديمقراطي وحليفه في الائتلاف حزب كوميه من الحصول على الأغلبية، فسوف يعتبر ذلك انتصارا، ولكن هذا لم يحدث، علما بأن الأغلبية في مجلس النواب تتحقق بـ233 مقعدا.

ووصف إيشيبا نتائج الانتخابات بأنها كانت “صعبة”، وقال: “كنا بعيدين عن اكتساب تفهم الجمهور” بشأن فضيحة الأموال السرية، وأعرب عن أمله في الاستمرار في قيادة الحكومة لتعزيز سياسات الائتلاف.

وقد حافظ الحزب الليبرالي الديمقراطي على أغلبية صريحة منذ عودته إلى السلطة عام 2012 بعد فترة قصيرة من حكم المعارضة، كما فقد السلطة لفترة وجيزة في عام 1993 بعدما شكل ائتلاف من سبعة أحزاب معارضة حكومة استمرت أقل من عام.

ويرى المراقبون أن انتخابات أمس كانت استفتاء مبكرا على الإدارة الجديدة لرئيس الوزراء إيشيبا، الذي غامر بالدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد تسعة أيام فقط من توليه منصبه في الأول من أكتوبر الحالي، كما كان أول تصويت على مستوى اليابان منذ فضيحة الأموال غير المشروعة التي هزت الحزب الليبرالي الديمقراطي، والتي هيمنت على النقاش السياسي في الشارع الياباني على مدار العام الماضي.

ويقول محللون في طوكيو: إن الحزب الليبرالي الديمقراطي يواجه صعوبة في طي صفحة فضيحة التمويل المتورط فيها، مشيرين إلى أن الناخبين عاقبوا ائتلاف رئيس الوزراء بسبب هذه الفضيحة وارتفاع التضخم، ويؤكد المحللون أن الفضيحة المالية ظلت تطارد الحزب الليبرالي الديمقراطي منذ ظهورها أواخر عام 2023، وحتى صناديق الاقتراع أمس، وقد كانت السبب في انخفاض الدعم الشعبي للحزب إلى مستويات أجبرت في النهاية سلف إيشيبا فوميو كيشيدا على التخلي عن السعي لإعادة انتخابه كرئيس للحزب الشهر الماضي.

ويعتبر المحللون أن نتيجة هذه الانتخابات تزيد من حالة الغموض المتعلقة بتشكيل الحكومة ومستقبل رابع أكبر اقتصاد في العالم، كما تثير رياح التغيير على المعسكر السياسي في طوكيو، كونها غير مسبوقة في تاريخ الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي تمكن من البقاء في السلطة تقريبا طوال تاريخه الممتد منذ 1955، ولأنها تمثل هزيمة قاسية لشيغيرو إيشيبا البالغ من العمر 67 عاما، والذي تولى منصب رئيس الوزراء في الأول من أكتوبر الجاري، فقد بدأت أحزاب المعارضة تتحدث بصوت عال عن احتمالات التغيير وإمكانية أن يلعب بعضها دور صانع الملوك للكتلة الحاكمة.

وعلى الرغم من أن هذا التحول يفتح الطريق المحتمل للمعارضة لتوجيه أجندة مجلس النواب إذا تمكنت من العمل بشكل متماسك، إلا أن التغيير الكامل للحكومة في طوكيو لا يزال غير مرجح، نظرا لأن تشكيل ائتلاف من أحزاب متعددة سيكون صعبا بالنسبة للمعارضة.

ومن المرجح أن يدفع فقدان الأغلبية رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا إلى البحث عن حزب ثالث للانضمام إلى الائتلاف، من أجل البقاء في السلطة، وهي الخطوة التي تتطلب المفاوضات، أو حتى التنازلات، أما في حال غادر إيشيبا منصبه بعد الهزيمة الانتخابية، فسيصبح رئيس الوزراء الذي أمضى أقصر ولاية في اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

كما كشفت الانتخابات المبكرة عن انقسامات داخلية في الحزب الليبرالي الديمقراطي، قد يكون من الصعب إصلاحها، وهو ما ينذر بالسوء بالنسبة لإيشيبا في إدارة الحكومة، فقد تبين أن وزيرة الأمن الاقتصادي السابقة ساناي تاكايشي، التي هزمها إيشيبا بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية للحزب الليبرالي الديمقراطي الشهر الماضي، تدعم بعض أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي الذين تورطوا في فضائح، والذين قرر رئيس الوزراء إزالتهم من قائمة المرشحين الرسميين.

كما تشكل نتائج انتخابات مجلس النواب الياباني تحديا هائلا لإيشيبا في سعيه لإعادة بناء الحزب الليبرالي الديمقراطي قبل انتخابات مجلس المستشارين الصيف المقبل، ويعتقد المحللون أن نتيجة الانتخابات ستجعل من المستحيل تقريبا على إيشيبا الوفاء بوعده الرئيسي بطرح اقتراح لمراجعة دستور اليابان من خلال البرلمان قبل الاستفتاء الوطني، والذي يتطلب موافقة أغلبية الثلثين في البرلمان.

وكان شيغيرو إيشيبا يأمل أن تسمح له الدعوة إلى انتخابات مبكرة بفرض قبضته على السلطة بشكل أكثر إحكاما، لكن الرياح هبت بما لا تشتهي سفنه وأشرعته، وتضاءل رأس ماله السياسي بدلا من ذلك، الأمر الذي جعل رئاسته للوزراء في مهب الريح، معلقة بخيط رفيع بعد شهر واحد فقط من توليه منصبه.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى