الباحثون عن الأمان فى الجنوب بلبنان يروون المعاناة..من الإستقرار إلى مراكز الإيواء
التوترات على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية..أجبرت عشرات الآلاف على النزوح وسط ظروف إنسانية صعبة
حواجز قماشية لتقسيم الفصول الدراسية بين الأسر
وكأن لبنان المُثقل منذ ما يزيد عن 4 سنوات بأزمات سياسية واقتصادية لم يسبق أن عاصرها منذ انتهاء الحرب الأهلية عقب إبرام وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ “اتفاق الطائف” – في استطاعته تحمل المزيد من الأزمات والكوارث والتوترات، وذلك مع تصاعد وتيرة وقوة العدوان الإسرائيلي على مدن وبلدات وقرى الجنوب اللبناني منذ الثامن من أكتوبر الماضي.
ففي الوقت الذي كان يبحث فيه الساسة اللبنانيون عن مخارج وحلول، وبينما تعمل الدول العربية الداعمة للبنان على “تدوير الزوايا” لإنهاء انقسامات وخلافات أدى إلى فراغ في منصب رئيس البلاد، وتعطل العمل الحكومي القاصر على تصريف الأعمال، فضلا عن امتداد الفراغ ليطال مناصب رئاسة البنك المركزي ومراكز قضائية وأمنية بالغة الأهمية والحساسية – بدأ فصل جديد من العدوان الإسرائيلي وضحايا في المقام الأول هم المدنيون العزل والأبرياء، ليلقي بظلال قاتمة على الاستقرار الهش الذي يعيشه لبنان.
حالة نزوح كبيرة يشهدها الجنوب اللبناني وشلل شبه كامل في كافة تفاصيل الحياة اليومية للبنانيين، بعدما تحول الجنوب على أرض الواقع إلى “منطقة عمليات حربية”.. إذ خرج الصراع بين إسرائيل وحزب الله اللبناني من دائرة التصعيد الكلامي، إلى المناوشات، ومنها إلى مستوى العمليات العسكرية اليومية.
وقد بدأت عمليات نزوح كبيرة وخصوصا لسكان القرى اللبنانية المتاخمة للحدود مع إسرائيل، والتي تقع في نطاق محافظتي (الجنوب) و(النبطية) منذ الثامن من أكتوبر الماضي، مع تصاعد وتيرة وشدة القصف الإسرائيلي، حيث تزايدت أعداد النازحين بشكل كبير من أغلب البلدات اللبنانية في المحافظتين، حتى وصل عدد النازحين المسجلين لدى منظمة الهجرة الدولية قرابة 72 ألفا و 437 نازحا حتى 21 من شهر ديسمبر الجاري، وذلك بخلاف أعداد أخرى من سكان الجنوب الذين تركوا منازلهم إلى أماكن أكثر أمنا دون تسجيل رسمي ضمن تعداد النازحين.
ويتألف الجنوب اللبناني من محافظتين، الأولى محافظة الجنوب المكونة من 3 أقضية (مدن) وهي صيدا وجزين وصور، فيما يتكون كل قضاء من عدد من البلدات، أما المحافظة الثانية فهي النبطية التي تضم 4 أقضية وهي النبطية وحاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل، إلا أن القصف الإسرائيلي يتركز منذ بداية التوترات على بلدات بقضاء صور (القطاع الغربي من الحدود الجنوبية ويضم بلدة الناقورة مقر قيادة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) وبلدات بأقضية مرجعيون وبنت جبيل وحاصبيا وفي بعض الأحيان النبطية (هذه الأقضية يتألف منها القطاعين الأوسط والشرقي من الحدود الجنوبية).
مراكز لإيواء النازحين
يقول الحاج حسن حمود نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور إن هناك نوعين من النزوح، الأول هو نزوح طوعي لآلاف المواطنين الذين قرروا الانتقال من الجنوب لسكن آخر يملكونه في العاصمة بيروت أو مدن مغايرة بالإضافة إلى أعداد أخرى من المواطنين اعتادوا على قضاء العطلات في الجنوب وبالتالي غادروا منازلهم، موضحا أن النوع الثاني هو النزوح الإجباري لسكان لا يملكون بديلا عن منازلهم في البلدات التي تتعرض للقصف الإسرائيلي على طول الشريط الحدودي مع اسرائيل، مؤكدا أن النوع الأول لا يتم تسجيله كنازح، فيما يقتصر التسجيل على النازحين بدون مأوى بديل.
ويضيف حمود – لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط لدى لبنان – أن السلطات اللبنانية في الجنوب بادرت فور بدء عمليات النزوح، إلى تجهيز مراكز لإيواء النازحين الذين تركوا منازلهم بحثا عن الأمان في مناطق آخرى، حيث تم تحديد ثلاث مناطق رئيسية وهي صور والنبطية وحاصبيا للإيواء لتكون تمركزات النازحين من القرى الحدودية.
ويؤكد أنه تم تحويل عدد من المدارس في مدينة صور لتكون مراكز لإيواء النازحين عبر تحويل الفصول المدرسية إلى غرف لإعاشة الأسر، حيث تم إزاحة مقاعد الدراسة لتحل محلها فراش وتجهيزات بدائية، في ضوء ما تيسر، لتوفير ما يمكن من سبل العيش، وأنهم اضُطروا في الكثير من الأحيان إلى تقسيم الفصول “بحواجز قماشية وبلاستيكية” ليستوعب الفصل الواحد عدة أسر.
ويشير حمود إلى أن الإتحاد لديه تجارب سابقة فيما يتعلق بإدارة الكوارث، موضحا أن محافظة الجنوب فعّلت “وحدة إدارة الكوارث”، كما أنشأت البلديات والقرى في الجنوب وحدات مماثلة للتعامل مع الكوارث وفي المقدمة منها أزمة النزوح، مشيرا إلى أن هناك تعاونا كاملا بين البلديات والإتحادات ومنظمات المجتمع المدني والصليب الأحمر اللبناني ومنظمات أممية، من أجل تقديم المساعدات الغذائية والطبية، فضلا عن قيام عدد من المتطوعين بتعليم الأطفال وتنظيم أنشطة لتخفيف آثار الصدمات على الأطفال وخصوصا في ظل تعطيل الدراسة بالمدارس في الجنوب اللبناني بسبب تلك الأحداث.
ويؤكد الحاج حسن حمود نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور والمتحدث باسم غرفة العمليات بصور، أن هناك عددا من المواطنين في مدينة صور تبرعوا بمنازل ومساكن لإيواء نازحين نظرا لأن المدارس التي تم تخصيصها غير كافية لاستقبال أعداد النازحين من بلدات القطاع الغربي، موضحا أن الأولوية كانت لتوفير الاحتياجات ومقومات الصمود الأساسية للنازحين من مياه وكهرباء وسبل إعاشة ووجبات غذائية وخصوصا في فصل الشتاء، مشددا على أن الحاجات كبيرة والإمكانيات قليلة بسبب الظروف التي مرت بها الدولة اللبنانية والأوضاع الاقتصادية على مدى السنوات الماضية.
ويشير إلى أن عدد النازحين المسجلين في قضاء صور فقط بلغ حتى الـ 28 من الشهر الجاري 20 ألفا و 300 نازح أغلبهم من أصحاب الحرف الزراعية والعمالة اليدوية واليومية، لافتا إلى أن الأسر خرجت من منازلها تاركة ممتلكاتها ومقدراتها وأراضيها وحتى ما تمتلكه من مواش وسبل إعاشتها، هربا من القصف في الجنوب، مؤكدا أن أغلب البلدات التي تعرضت للقصف كانت محتلة من قبل إسرائيل وتم تحريرها في عام 2000.
النازحون يروون معاناتهم
في مدرسة مهنية مدينة صور، وداخل أحد الفصول تعيش عائلة المواطن اللبناني (م.أ.) وهو رب أسرة مكونة من 11 طفلا، وليس لديه عمل يوفر دخلا ثابتا لأسرته حيث كان يعمل بـ “الأجر اليومي” ويعيش في بلدة (بيت ليف) على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، ويقول المواطن لوكالة أنباء الشرق الأوسط إنه اضطر إلى مغادرة البلدة بعد 7 أيام من اندلاع القصف المتبادل عبر الحدود الجنوبية، وذلك بعد استهداف محيط المنازل بقذائف مدفعية.
ويضيف أن اتحاد بلديات صور قدم له مأوى في المدرسة، بالإضافة إلى وجبات غذائية له ولأسرته، مشددا على أن الدافع الأساسي لخروجه من منزله هو “البحث عن الأمان” في مكان بعيد عن نطاق العمليات الحربية التي تطورت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية ووصلت لاستهداف المنازل والمدنيين.
وأعرب المواطن اللبناني عن أمله في أن تنتهي التوترات في أقرب وقت ليتمكن من العودة إلى منزله، ويعود أطفاله إلى المدارس المعطلة في الجنوب منذ بداية القصف المتبادل في الثامن من شهر أكتوبر الماضي.
وتقول طفلته “أ.م.” والتي تبلغ من العمر 6 سنوات إنها شعرت بخوف وهلع شديد مع إخوتها جراء القصف في محيط المنزل، معبرة عن أمنيتها بالعودة مرة أخرى إلى منزلها ومدرستها.
من جانبه، يقول المواطن اللبناني (س.ح.): “نحن سكان القرى الأمامية على الحدود مع إسرائيل، مسالمون ونعمل في الزراعة بأرضنا، ولكننا اضطررنا إلى ترك مزارعنا وأرضنا بسبب القصف الإسرائيلي العنيف في محيط منازلنا، وتطوره ليستهدف المنازل نفسها، فقررنا ترك المنازل بحثا عن الأمان، ونحن ليست لنا ثمة مطالب أو تطلعات سوى أن يكون الجنوب ولبنان بأكمله في أمن واستقرار وسلام”.
وفي مدرسة ثانوية صور، تقول السيدة (ن.ح.): “كنا في بلدة عيتا الشعب (على أطراف القطاع الأوسط للجنوب اللبناني وتتعرض بشكل يومي للقصف الإسرائيلي) نعمل في الزراعة، واعتدنا أن نجلس في شرفة منزلنا، وفجأة سقطت قذيفة في وسط المنزل، وهذه كانت بداية الاستهداف المباشر للمنازل والمدنيين وليس أطراف البلدات كما كان معتادا من قبل، وهنا قررت الخروج من البلدة بحثا عن الأمان في أي مركز للإيواء، خصوصا وأن نجلي مريض ولا يمكنه الحركة بسهولة، ووصلنا إلى المدرسة هنا، وندبر أمورنا قدر المستطاع بعد توفير الإحتياجات الأساسية “.
وأضافت : لن نترك أرضنا وبإذن الله سنعود إلى منازلنا بعد أن نخرج من هذه الأزمة بخير وسلامة”.
ضحايا القصف الاسرائيلي على الجنوب اللبناني
وفي تقرير حصلت عليه وكالة أنباء الشرق الأوسط، أكدت وزارة الصحة اللبنانية أن إجمالي عدد المصابين جراء القصف الإسرائيلي لبلدات الجنوب اللبناني بلغ 536 إصابة، فضلا عن 118 قتيلا، مشيرة إلى أن 45 % من الإصابات ناتجة عن صدمة، و32 % ناتجة عن انفجار و19 % ناتجة عن تعرض كيميائي نتيجة القذائف الفسفورية التي يتم إلقاؤها على البلدات.
وأكدت الوزارة أنه وفقا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية، فإن 72 ألفا و 437 مواطنا نزحوا من بلدات الجنوب اللبناني منذ بداية الأحداث وحتى الحادي والعشرين من شهر ديسمبر الجاري.
تأثير القصف على البلدات والأراضي الزراعية
وردا على سؤال لوكالة أنباء الشرق الأوسط، قال الدكتور عبد الله نصر الدين مستشار وزير الزراعة اللبناني إن عدد البلدات التي تم استهدافها من قبل إسرائيل بلغ 55 بلدة في محافظتي الجنوب (12 بلدة) والنبطية (43 بلدة)، مما أسفر عن نشوب 584 حريقا حتى التاسع عشر من شهر ديسمبر الجاري.
وأضاف أن مساحة الأراضي المحروقة بالكامل تصل إلى 385 فدانا فيما تصل مساحة الأراضي المتضررة جراء القصف إلى أكثر من ألف فدان، حيث تم استهداف أكثر من 63 ألف شجرة زيتون معمرة فضلا عن أشجار الصنوبر والسنديان والأشجار الزراعية والحمضيات.
وأشار أيضا إلى نفوق 340 ألف طائر و950 رأس ماشية وتضرر 82 خيمة زراعية في البلدات التي تعرضت للقصف الإسرائيلي حتى التاسع عشر من شهر ديسمبر الجاري.
واندلعت توترات في الجنوب اللبناني منذ الثامن من شهر أكتوبر الماضي بسبب عمليات القصف المتبادل بين حزب الله في لبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، علما بأنه رغم الانسحاب الإسرائيلي من البلدات اللبنانية المحتلة جنوبي نهر الليطاني، إلا أنها لا تزال تحتل عددا من البلدات أبرزها مزارع شبعا في القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني.