الفرن البلدي يتحدى الزمن .. ويشعل الذكريات و«الشجن»
«» ينقل بالصورة والتفاصيل .. مشاهد من واقع حياة الريف الجميل
تقرير- ثناء القطيفي:
لا زالت مشاهد الأمس، كلما أطلت علينا، تثير الشجن في الصدور، خاصة تلك المشاهد البعيدة، التي تختلط بالذكريات وتطل منها روائح الصبا والطفولة وترن في ثناياها الضحكات.
الريف الجميل .. من يذكره؟ .. الغيط وماكينة الطحين وماكينة الري والفرن البلدي، الذي لا زال صامداً رغم السنين يتحدى الزمن، لكنه أيضاً يثير الشجن.
لم يعد الريف بشكله وتفاصيله القديمة حاضراً إلا في مناطق نادرة، بعضها في مركز حوش عيسى التابع لمحافظة البحيرة، حيث عاش «» يوماً ريفياً جميلاً، كان البطل فيه هو «الفرن البلدي» الذي لا زال رغم وهج النار، أحلى وأروع وأجمل ما في الدار.
ولا تزال بعض سيدات قرى حوش عيسى يمكثن أمام الفرن البلدى يشعلن النيران به بقطفات قش الأرز، وحطب الذرة والسمسم، منذ ساعات الصباح الباكر، لإعداد أشهى المخبوزات الفلاحى والرز بالسمن البلدى برائحته الذكية، في جو أسري تفوح منه رائحة الزمن الأصيل ، وراحة البال والطمأنينة،
تجمع «جملات» التى تدعى “أم دنيا” أبناءها وأحبابها من أهل العزبة معها أمام الفرن.. القش وبجوارهم مخبوزات من الرقاق، وصينية بها عجين، لتؤدي كل منهن دورها، مثل فرد العجين المعروف لدى عامة الفلاحين بـ”الطبطيط”، باليد أو ما تسمى بـ”النشابة”، أو «السريع» يتسابقون في إعداد العجين.
حياتنا الريفية هي الأصل .. هكذا عبرت السيدة جملات لـ” ” عن شعورها وهي لا تزال تجلس أمام الفرن البلدي لساعات طويلة، وتذهب للحقول يوميا منذ ساعات الصباح الباكر محتضنة الحياة دون كلل أو ملل.
تقول إنها منذ طفولتها مولعة بالذهاب مع والدها إلى الحقول لزراعة الأرض، وتساعد والدتها فى الخبيز فى «فرن القش»، وإن الريف الأصيل لم يتغير عن الماضي، فلا تزال السيدات يذهبن مع أزواجهن للحقول لرعاية الأرض وجمع المحاصيل، ويحتفظن بالفرن القش لطهي الرز المعمر والمحشي وإعداد المخبوزات الفلاحي، مشيرة إلى أن حياتهم ببساطتها وهدوئها تعني لهم الحياة وما فيها.
من أمام «فرن بلدي»، من منزل أحد الأهالي بمركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة، التقطت عدسة «» السيدة جملات «أم دنيا» تجلس أمامه، وتحضر لإشعاله من خلال قطفات من قش السمسم، أشعلت بها النيران لتضعها بداخله أسفل قطعة مربع حديدية، يطلق عليها «عرصة الفرن» تمهيدًا لوضع أطعمة بداخله لطهيها.
الأكل له طعم ورائحة .. هكذا وصفت أم دينا لـ «»، موضحة أنها تعلمت في منزل أسرتها، قبل زواجها، كيفية طهى الأطعمة، وخبز المعجونات الفلاحي.
وأشارت إلى أن أبرز ما يطهى في هذا الفرن، طواجن الأرز المخلوط بالفلفل الأسود، والمعروف لدى عامة الفلاحين بـ »برام الأرز المدسوس» وطواجن أخرى من الطبيخ، ولحوم الطيور، وخبز المعجونات الفلاحي مثل “الفطير، والرقاق، والخبز البلدي، و«القرص» المعروف.
واكدت ام دينا وجود حرفيين، في بناء تلك الأفران، والتي تتكون من الطوب الأحمر ويُستخدم الطين الخاص بالتربة الزراعية، في لصق رصات الطوب، كبديل للأسمنت، وفي منتصفه، مربع حديدي تسمى «العرصة»، ويكسوه من خارجه الطين، وفى أسفله فتحة الغرض منها إدخال القش المشتعل، ليشعل النيران فيه لتسوية الخبز، والطهي.
ولفتت إلى أن «الفرن الفلاحي» له أداة واحدة، وهي العصا الحديدية، يكون على هامتها اعوجاج من أجل السحب ودفع الأطعمة التي تطهى بداخله، و«مطرحة» لدخول الخبز الفرن، مؤكدة أنها لا تتنازل عن الطهي في “الفرن الفلاحي” في ظل ارتفاع أسعار أسطوانات الغاز المنزلية، والتي وصل سعرها الحكومي ما بين 85 جنيهًا، و100 جنيه في السوق السوداء.
وتوضح «جملات»، المعروفة بلقب «أم دنيا» أن طهي الخبز الفلاحي مثل “عيش الطبطيط”، و” الأرز “، في “الفرن البلدي”، أشهى بكثير، من طهيه في الفرن الغاز، وبعد الانتهاء من أعمال الخبز الفلاحي ، نطهي أطعمة أخرى ترتبط بالخبز، مثل “العجة” المصنوعة من الدقيق والبيض والخُضرة، وشوي الباذنجان الأسود لعمل سلطة “بابا غنوج” وكذلك شوى الذرة.
وتشير جملات ، إلى أن “الفرن الفلاحي”، لا يزال يحتفظ برونقه لدى كثير من الأهالي، في ظل ارتفاع أسعار أسطوانات الغاز، والكثير منا لا يجدون جودة الأطعمة إلا في “الفرن الفلاحي”