عام

خطبة الجمعة اليوم 19 ديسمبر 2025: “التعصب ليس مرتبطاً بالدين وحده” وتحذيرات من التفكك الأسري

​يؤدي أئمة وخطباء وزارة الأوقاف، اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025م الموافق 28 من جمادى الآخرة 1447هـ، خطبة الجمعة بجميع المساجد المعتمدة على مستوى الجمهورية.

وتتناول الخطبة الموحدة قضية اجتماعية وفكرية هامة تهدف إلى ترسيخ قيم الوسطية ومواجهة الأفكار الهدامة.

​موضوع خطبة الجمعة: “التعصب ليس مرتبطاً بالدين وحده”

​أعلنت وزارة الأوقاف أن موضوع خطبة الجمعة اليوم سيسلط الضوء على مفهوم التعصب بمختلف أشكاله، مؤكدة أن التعصب لا يقتصر على الجانب الديني فقط، بل يمتد ليشمل التعصب الفكري، الرياضي، والاجتماعي، وهو ما يهدد تماسك المجتمع.

​أبرز أهداف الخطبة

  • ​قدسية المال العام: التأكيد على حرمة المال العام ووجوب الحفاظ عليه كأمانة شرعية ووطنية.
  • ​محاربة الانغلاق: دعوة المصلين إلى تقبل الآخر ونبذ أشكال التمييز والكراهية.
  • ​مبادرة “صحح مفاهيمك”: تخصص الوزارة الجزء الثاني من الخطبة (الخطبة الثانية) لمناقشة قضية “التفكك الأسري”، وذلك ضمن جهود الدولة لحماية كيان الأسرة المصرية.

​جهود وزارة الأوقاف في التوعية المجتمعية

​تأتي خطبة اليوم في إطار سلسلة المبادرات الدعوية التي تطلقها الأوقاف لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتركز الوزارة من خلال منبر الجمعة على القضايا المعاصرة التي تهم المواطن، مع الالتزام بالوقت المحدد للخطبة (عشر دقائق للخطبتين معاً) والالتزام بالنص الموحد.

​نصائح للمصلين اليوم

  • ​التبكير للمساجد: للاستفادة من كامل جرعة الوعي التي يقدمها الخطيب.
  • ​الالتزام بالهدوء: لإعطاء الفرصة للجميع للاستماع بتركيز لموضوعات الخطبة الحيوية.
  • ​تطبيق المبادرة: مناقشة موضوع “التفكك الأسري” داخل الدوائر العائلية عقب الصلاة لتعظيم الفائدة.

​القنوات الناقلة لخطبة الجمعة اليوم

​كالعادة، تنقل القناة الأولى والفضائية المصرية وشبكة القرآن الكريم شعائر صلاة وخطبة الجمعة مباشرة من أحد المساجد الكبرى، لإتاحة الفرصة للملايين لمتابعة الدروس المستفادة من موضوع اليوم.

فظللْتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةًالحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أكملَ لنا الدينَ، وأتمَّ علينا النعمةَ، وجعلَ أمتَنَا خيرَ أمةٍ، وأُصلي وأسلمُ على سيدِنا ومولانا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ، أما بعدُ:

فإنَّ من بديعِ ما زَخرَ بهِ تراثُنَا العريقُ، ما رواهُ لنا الإمامُ أبو بكرٍ الحربيّ قال: “سمعتُ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ رضيَ الله عنه يقولُ: منذُ ثلاثينَ سنةً وأنا في الاستغفارِ من قولي: الحمدُ للهِ مرة، قيل: وكيفَ ذاك؟ قال: وقعَ ببغدادَ حريقٌ، فاستقبلني واحدٌ فقالَ لي: نجا حانُوتُك، فقلت: الحمدُ للهِ، فمنذُ ثلاثينَ سنةً أنا نادمٌ على ما قلتُ، حيثُ أردتُ لنفسي خيرًا مما للمسلمين”.

يلامسُ الإمامُ السَّرِيّ – رحمهُ الله – في هذه القصةِ الرفيعةِ جوهرَ الأخلاقِ الإسلاميةِ، وهو اتساعُ القلبِ للناسِ جميعًا، ورفضُ تمييزِ النفسِ عنهم في شئونِ الحياةِ، فمجرّد أن نجا متجرُه دونَ متاجرِ الناسِ جعله يستشعرُ أنه فرِحَ لنفسه بشيءٍ لم يتحققْ لغيرهِ، فظلَّ ثلاثينَ سنةً يستغفرُ من هذا الخاطرِ، لا لحرمةِ الكلمةِ نفسها، ولكن لما أحسّ في قلبهِ من تفضيلِ النفسِ على عمومِ الناسِ من حولهِ.

وإذا  كان أهلُ اللهِ يخافونَ من مجرّدِ خاطرٍ قلبيٍّ يفضّلُ النفسَ على غيرها، فكيفَ بمن يمدُّ يدَهُ إلى المالِ العام الذي هو مِلكُ الأمَّةِ بأسرها؟!

ويقصدُ بالمالِ العامِ: مواردُ الدولةِ، وخيراتُها، ومقدّراتُها، وممتلكاتُها، وخدماتُها، ومرافقُها، وما يُحصَّلُ من الضرائبِ والزكواتِ والمشاريعِ العامّةِ، وسُمِّي عامًا؛ لأنه حقٌّ مشترك، لا يختصُّ به شخصٌ بعينه، بل ينتفعُ به مجموعُ الأمّةِ.

وعليهِ، فالمنشآتُ العامّةُ، والمؤسّساتُ والمرافقُ، ووسائلُ المواصلاتِ العامّةِ، والأموالُ التي تُجمعُ للمنافعِ العامّةِ في الدولةِ كالضرائبِ وغيرِها، كلُّ هذا مالٌ عامٌّ ينبغي علينا زيادَتُهُ، والحفاظُ عليهِ.

وكل هذه الأمورِ مِلكٌ لنا جميعًا، فنحافظُ عليها جميعًا؛ كي ننتفعَ بها جميعًا، فهي أمانةٌ بين أيدي الجميعِ لخيرِ الجميع، وعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ رضيَ الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَن استعمَلْنَاهُ منكم على عمَلٍ، فَكَتَمَنا مَخِيطًا فما فوقَه؛ كانَ غُلُولاً يأتي به يومَ القيامةِ».

فلا يعتدي أحدٌ منّا على المدارسِ، أو يخرّبُ شيئًا من مرافقِها، بل يحافظُ عليها؛ لأنها مِلكُهُ ومِلكُ الجميعِ.

ولا يعتدي أحدُنا على منشئاتِ المستشفياتِ أو أدواتِها وأجهزتِها؛ لأنّ خيرَها لكَ وللجميعِ.

ولا يعتدي أحدٌ منا على وسائِل النقلِ العامِ من القطاراتِ والسياراتِ، ولا يمزقُ مقاعدَها، ولا يخربُ منها شيئا، حتّى تظلَّ في خدمِتك وخدمةِ الجميع.

ولا يعتدي أحدٌ على الكهربَاء بغيرِ الطريقِ المشروعِ، ولا على شيءٍ من منشئاتِها ومحولاتِها وأسلاكِها، حتّى تظلّ تنيرُ لكَ وللجميعِ.

ولا يستخدمُ أحدٌ منّا أمورَ الوظائفِ العامّةِ وأدواتِها في شئونهِ الشخصيةِ حتى يظلَّ خيرُها يجرِي عليكَ وعلى الجميعِ.

ولا تعتدي على مصارفِ المياه والتّرعِ بإلقاءِ المُخلّفاتِ فيها، حتى تظلَّ تسقي أرضَك وأرضَ جيرانِك وتجري بالخيرِ للناسِ جميعًا.

ولا يضّيقُ أحدٌ منّا الطرقَ العامّةَ بوضعِ تجارتِهِ الخاصّةِ، بل يضعُ تجارته في المواضعِ المحدّدةِ، فيظلّ الطريقُ يتسعُ له وللجميع.

فليحذرْ كلٌّ منّا من هذا، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ومن اعتدى على شيءٍ من ذلك، فليسارعْ إلى التكفيرِ عن ذنبهِ، وإلى نفعِ النّاس جميعًا، وإلى التّخلقِ بكلِ معاني الجودِ والكرمِ، الذي يتّسعُ به لإكرام الجميع ونفعِ الجميع.

إنّ الشرعَ الشريفَ جاءَ بتعظيمِ الشعورِ بالأمانةِ، وأمَرَنا بأن يحرصَ بعضُنا على بعضٍ، ويخشى بعضُنا على بعضٍ، ولا يغلقُ أحدٌ منا بابَ الخيرِ على غيره، لنفعِ نفسهِ، فإذا قدَّمَ الواحدُ منا نفسَهُ على الناسِ خسرَ هو وخسروا جميعًا، وإذا امتلأَ باطنُه جُودًا وكرمًا يتّسعُ به للناسِ كلِّهم، ويشملُ به الناسَ كلَّهم، ربحَ هو وربحوا جميعًا.

أقولُ قوْلي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

********

الخـــطبة الثانية
الحمدُ لله رَبِّ العَالمِين، والصلاةُ والسَّلامُ على أشْرفِ الأنبياءِ والمُرسَلين سيدِنا مُحمدٍ وعَلَى آلِهِ وصحْبِه أجْمَعِين، وبعد:

فأوّلُ مفاتيحِ النّجاةِ في تنميةِ المجتمعِ وغرسِ الوعيِ المنيرِ يَكمُنُ في تصحِيحِ مَفْهومِنا للتعَامُلِ معَ قضيةِ التفكّكِ الأُسريّ، فالأسْرةُ هيَ اللبنةُ الأولى للمجتمعِ، وسببُ إنشائِها هو الميثاقُ الغليظُ الذي جعلهُ اللهُ تعالى سَكَنًا وموْطِنًا للمودةِ والرَّحْمَةِ، فالبيوتُ لا تخْلُو من سُحُبِ الخلافاتِ العَابرةِ، وتعظمُ المأساةُ حينَ تتحوّلُ هذِهِ السُّحبُ إلى عاصِفةٍ هوْجاءَ تقتلِعُ أساسَ هَذا المِيثاقِ، وتُفْضِي إلى فَكِّ الارتباطِ المُقدّسِ، فالترابُطُ الأسريُّ ليسَ كلمةً تُقالُ، بلْ حالٌ شريفٌ يتحَقّقُ بِصِناعةٍ مُسْتمرةٍ من الودِّ والرَّحمةِ، وهوُ جِسرٌ منَ الحنَانِ يمتَدُّ بينَ الأجيَالِ، ولقدْ وضَعَ لنا دِينُنا الحنِيفُ مِفتَاحَ النّجاةِ، وِفْقَ مَنهجٍ عادلٍ وحَكِيمٍ، يتطلّبُ مِنّا -بحسبِ الأحوالِ- تغافُلاً وتوازُنًا ولُجوءًا إلى المُصَارَحةِ الهادئةِ، أملًا في تحقيقِ المودةِ والرحمةِ، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

أيها السادةُ الكِرامُ: إنَّ علاجَ التفككِ الأُسرِيِّ واجِبٌ دِينيٌّ واجتْماعِيٌّ، وليْسَ مُجرّدَ اخْتيارٍ ثانويٍّ، فبُيوتُنا يجِبُ أن تكونَ حُصُونًا منيعةً ترفعُها المودةُ وتُثبِّتُها الرّحْمَةُ، لا ميادينَ صِراعٍ يهتزُ فيِها اسْتقرارُ الأبناءِ، فالتَّرابُطُ لا يَتأتّى إلا بالاهتِمامِ الواعي، والرِّعايةِ الكريمَةِ، فكُلّما سَقيْنا شَجرَةَ الأسْرةِ بذلك أيْنعَتْ ثِمَارًا من السَّكينةِ والطمَأنينةِ، فهذا هوُ سرُّ الميزانِ النبويّ الذي يضْمنُ استدامَةَ السّكنِ والمودّةِ في إطارِ النّفْحةِ المُحمّديّة في قولِ خيرِ البريةِ -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».

أيُّها المكرمونَ: يهلُّ علينا هلالُ شهرِ رجبَ، فأحْسِنوا استقبالَه بِغرْسِ قيمِ الحُبِّ والمودّةِ داخلَ البُيوتِ، فَهذا الشهرُ مِفتاحُ شُهورِ الخَيْراتِ، وأَحَدُ الأشْهُرِ الحُرمِ التي عظَّمَ اللهُ سبحانه فِيها الأجْرَ والبَرَكاتِ، وتنْبَعِثُ فِيها نفَحَاتُ الحَالِ النّبويّ والترقِّي الرُّوحِي.

أيها الأحبةُ: فلْنَجعلْ مِن هذا الشَّهرِ موْسِمًا لِفعلِ الخيراتِ وتهذيبِ النُّفُوسِ، وتطهيرِ القُلُوبِ، والإكثارِ من الذكرِ والصلاةِ والتسليمِ على الجنابِ المكرمِ صلى اللهُ عليهِ وآله وسلم، وتِلاوةِ القُرْآنِ، والصِّيامِ والقِيَامِ، ولتلْهَجْ ألسنتُنَا بِهذا الدُّعاءِ: “اللهمّ بَارِكْ لنَا فِي رجبَ وشَعْبانَ، وبلّغْنَا رَمَضَانَ”.

اللهم احفظْ أوطانَنا، واجعلها واحةً للأمنِ والأمانِ

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى