تمازج بين العمارتين الأندلسية والعثمانية
تحولت إلى متاحف .. قصور تونس التاريخية «تحفة معمارية»
تقف كنوز تونس التاريخية شاهدة على إبداع فن معماري فريد، من قصور عريقة، تحولت فيما بعد إلى متاحف، لتصبح وجهة سياحية، تستقطب على إثرها الزائرين.
ومن هذه الكنوز، تلك التي خلفها حكم البايات والملوك والأعيان في البلاد، على غرار قصر النجمة الزهراء وقصر الوردة والقصر العلوي وقصر حبيبة مسيكة وغيرها من القصور التي شيدت في عدة مدن، لاسيما المدن العتيقة منها، وأصبحت اليوم متاحف، ووجهة للسائحين.
وفي هذا السياق، قال نور الدين الغماري مختص في الآثار والتراث، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: “إن هذه القصور كانت ملكا للبايات والأعيان، وتحولت إلى متاحف تعرض تحفا فنية وآثارا فريدة تعبر عن هوية تونس وتاريخها، وتستقطب إثر ذلك آلاف السياح سواء من الداخل أو الخارج، وساعد ترميمها بطرق علمية الحفاظ على تفاصيل معمارها القديم”.
وتابع: “أن هذه القصور في تونس تتشابه كثيرا في طريقة البناء التي استلهمت من المعمار الأندلسي والعثماني وكذلك الإيطالي مما جعلها كنوزا معمارية فريدة”.
وبدورها، قالت خديجة بن محمد المختصة في التراث، في تصريح مماثل لـ”قنا”: “إن القصور القديمة في تونس ظلت شاهدة على حضارات تاريخية قديمة، حتى أصبحت تشبه قصور ألف ليلة وليلة، كما أن العناية بها وترميمها ساهم في تحويلها إلى متاحف كبيرة، تستقبل سنويا آلاف السياح، لتساهم بذلك في تنشيط السياحة الثقافية”.
وأضافت أن لكل قصر حكاية وميزة وخصوصية، فكل جزء من تلك القصور يحكي تفاصيل حضارات مرت بها البلاد، غير أن بعضها، لم يتم العناية بها، ولم تخضع للترميم”.
ويعتبر قصر النجمة الزهراء، في مدينة سيدي بوسعيد بالعاصمة، من بين أبرز هذه القصور، الذي تحول إلى متحف، حيث استغرق بنائه عقدا كاملا، امتد منذ عام 1912 إلى 1922، وأصبح ملكا للجمهورية التونسية في عام 1989، ومنذ ذلك التاريخ أصبح يخضع لصيانة دورية، ليبقى من أبرز المتاحف التي تشهد زيارات سياحية على مدار العام.
وشارك في تشييد القصر حرفيون من تونس والمغرب الأقصى ومصر، أنجزوا أعمال نقش على الرخام والجص والخشب المنحوت، واستجلب ردولف درلنجي، صاحبه، مختصين من أوروبا، لإعداد البنية التحتية للقصر، الذي تم تشييده بواجهة مرتفعة، وشرفات مغلقة، ذات مشربيات زرقاء وقرميد باللون أخضر، تراعي الخصوصية، حيث أنجزت على الطريقة العثمانية.
والقصر تم تشييده على مساحة كبيرة، في وسطه ساحة زينت جدرانها برسومات مختلفة، وتحيط به شرفات وغرف من جهاته الأربع، فتحجب المكان عن العالم الخارجي.
وتتوسط القصر “نافورة مياه” من الرخام الأبيض، وتم تزيين أسقف بعض غرفه بأنواع من الرخام التي نقشت فيها الخطوط العربية، وأسقف أخرى بالخشب المنقوش بعناية، بالإضافة إلى تزيين البلاط بأشكال هندسية مختلفة.
وفي الجزء السفلي للقصر شيدت مجالس للضيوف وقاعات للاجتماعات، فيما خصصت الغرف في الطابق العلوي لسكان القصر، ونقشت بعض أسقف تلك الغرف من الذهب، وتم الحفاظ على الأثاث القديم للقصر، ليكون وجهة للسائحين، لمشاهدة تحفة معمارية تجمع بين الطابع الأندلسي والعثماني.
من بين القصور التي تحولت إلى متاحف في تونس أيضا، القصر العلوي، والذي يعد من أشهر القصور في تونس، وأصبح اليوم متحفا يعرف باسم “متحف باردو”، ويعود إلى القرن التاسع عشر، وكان يسمى المتحف العلوي نسبة إلى الباي الحاكـم في تلك الفـترة علي باي “1882-1902″، وأصبحت تسميته الرسمية منذ مارس 1956 إلى اليوم، “المتحف الوطني بباردو”.
وتم تشييد القصر حسب طابع معماري يمزج بين مختلف تأثيرات الحضارات الكبرى، وهي الحضارة الأندلسية، والموريسكية، والحضارة العثمانية، والأخرى الإيطالية.
وبتحول القصر إلى متحف، أصبح يضم مجموعات تاريخية وأثرية مختلفة، تعكس تاريخ تونس منذ فترة ما قبل التاريخ إلى الفترة الحديثة، ويحتوي القسم النوميدي بالمتحف على قطع أثرية متنوعة.
ومن القصور التي تحولت إلى متاحف كذلك، قصر الوردة في محافظة منوبة قرب العاصمة، تم إنشاؤه في عام 1798 من قبل حمودة باشا باي الحسيني “1782-1814″، وكان يسمى “البرج الكبير”، وهو عبارة عن إقامة للنزهة والراحة.
وقد بني القصر، وسط حقول وبساتين شاسعة، تطل واجهتها على باحة واسعة، ويحده من الجهة الشرقية رواق محمول على أعمدة ذات تيجان تركية، وتتكون الواجهة من درج رخامي، يفضي إلى رواق ذي استطالة محمولة على أعمدة تعلوها تيجان ذات زخارف حلزونية، ويتوسط الواجهة مدخل بارز يعلوه قوس رخامي، وفتحت بها نوافذ تطل على ساحة القصر، أما أعالي جدران الواجهة فحملت نقوشا جصية توحي بانتماء المبنى إلى الطراز الأندلسي المغربي.
وفي عام 1840، قام أحمد باي بإسناد البرج الكبير لاحتضان الخيالة، وفي عام 1984 تم تحويله إلى متحف تاريخي.
أما قصر قبة النحاس، الذي تحول إلى متحف، فيعود إلى فترة محمد الرشيد باي “1756-1758″، ويعد من روائع العمارة التونسية، حيث تتمازج في هندسته خصائص المعمار العثماني والطراز الأندلسي المغربي، وسمي “قبة النحاس” لوجود قبة كبيرة تعلو “جناح الحريم”، تغشيها طبقة من النحاس، وتتشابه في هندسته المعمارية “قصر الوردة” الذي بناه أيضا حمودة باشا ويقع على مقربة منه.
وقال علي الدباغي المختص في التراث، إن القصر يقع وسط حدائق وبساتين تحيط به من جميع الجهات، ويتكون من ثلاثة طوابق، وتتوج الواجهة الرئيسية مشربية احتلت أعالي الطابق العلوي، ووضع في أسفلها درج رخامي يفضي إلى رواق، يتكون من أعمدة تحمل تيجانا حلزونية تتخللها عقود نصف دائرية متجاوزة.
ولا يختلف قصر “حبيبة مسيكة”، الواقع في مدينة تستور بمحافظة باجة عن بقية القصور التي تحولت إلى متاحف، من حيث شكل البناء والمعمار وطريقة التزيين، جيث يعد هندسة معمارية، ويشهد كغيره من القصور توافد السياح الأجانب، لاكتشاف جماليات المعمار الأندلسي وتفرده.
ويفضي المحل الخارجي للقصر إلى غرفة صغيرة لاستقبال الضيوف تسمى “السقيفة” التي تصله مباشرة إلى صحن مركزي مكشوف إلى السماء، وذي أرضية رخامية، وتحيط به مجموعة من الغرف المختلفة الاستعمالات، التي تقسم إلى غرف النوم وجناح الحريم وغرف الضيوف وغرف اللقاءات الرسمية.
وتزين جدران القصر زخارف من الرخام الأبيض، كما يحيط بالصحن المركزي أقواس رفعت على تيجان من أجود أنواع الرخام.