عاصرت العديد من السادة المحافظين الذين تعاقبوا على هذا المنصب الرفيع بمحافظة البحيرة …
في كل مرحلة يتم فيها تغيير المحافظ تجد أن هناك سيناريو عجيباً وغريباً يتم إعداده والترتيب له من قبل الإدارات الرئيسية التي يتشكل منها ديوان عام كل محافظة .. ومعلوم أن كل تلك الإدارات بينها صراع شرس ومستمر من أجل الفوز بثقة معالي المحافظ والتقرب منه.
هذا الصراع الكبير يختفي تماما مع الإعلان عن حركة جديدة للمحافظين، حيث يتناسى أقطاب ورؤساء تلك الإدارات ما بينها من خلافات ويتم عقد الاجتماعات التنسيقية للإعداد لما هو قادم … وتبدأ تلك الإدارات في توحيد الجهود وإجراء الإتصالات مع قيادات الحكم المحلي في العاصمة لمعرفة ملامح التغيير ويحاولون معرفة من تم ترشيحه لتولي المسؤولية.
وما أن يتم الإعلان عن ذلك حتى تتشكل خلية عمل داخل المحافظة تضم مديري الإدارات الحاكمة المتحكمة … مدير عام مكتب المحافظ … السكرتير العام … السكرتير العام المساعد .. مدير العلاقات العامة .. مدير المكتب الفني … مدير عام الشؤون المالية … مدير عام الشؤون القانونية …
ويبدأ توزيع المهام فيما بينهم …
فهناك من يكلف بجمع المعلومات الدقيقة عن القادم الجديد … معلومات تفصيلية شاملة … ماذا يحب وماذا يكره …!؟
كم عنده من الأبناء … أكلاته المفضلة …
هواياته .. وهكذا …
ويتم توزيع التكليفات للإعداد والتجهيز بدءاً من إستراحة معاليه انتهاء بمكتبه …
يتم أيضا التنسيق مع السادة أعضاء الهيئة البرلمانية لمجلسي النواب والشوري بالمحافظة ومجموعة رجال الأعمال المتعاونين وكذا السادة مديري المصالح الحكومية المقربين ومن لهم سلطة وحظوة كل حسب تصنيفه وترتيبه و أهميته …
وعندما يصل معاليه يتم استقباله استقبالا حارا … وتفرش الممرات حتى مكتبه بآلاف الباقات من الورود الضخمة …
ويبدأ إدخال الوفود المهنئة للسلام على الوافد الجديد والتقاط الصور التذكارية … ويفسح المجال للمقابلات حسب تصنيف دقيق يميز فيه أصحاب الحظوة .. ويهمش فيه من لا يحظون بالرضا …
ثم تبدأ سلسلة الجولات الميدانية لمعالي المحافظ .. غالبا تكون بعد أسبوع من مقدمه …
أصحاب الحظوة المقربون يتم التنسيق معهم وإبلاغهم ليكونوا مستعدين … غير ذلك يتركوا ليتفاجأوا بالزيارة ….
هذا السيناريو يحدث وتفاصيله عجيبة والمجال لا يسمح بمزيد من التفاصيل …
عموما …
أعتقد أن من يتبع هذا الأسلوب يكون قد بدأ أولى خطوات الفشل …
فالمحافظ ليس مطلوبا منه أن يقوم بجولات ميدانية مفاجئة أو حتى غير مفاجئة كي يتعرف على واقع الحال في محافظته …
بل أن أهم أدواره أن يدير المنظومة من خلال ضوابط وعن طريق أجهزة تابعة دورها وعملها يختص بذلك وتطبق اللوائح والقوانين على الجميع دونما استثناء.. من يخطىء يحاسب ومن يجيد يكافأ …
عليه أن يشدد ويؤكد أن الجميع لابد أن يؤدي واجبه كما هو مخطط ومرسوم ومحدد …
كما يمكن للمحافظ أن يستطلع آراء الجماهير من خلال لقاء جماهيري أسبوعي، لقاء حقيقي يتم فيه عرض عدد من المشاكل المستعصية .. اجتماع حقيقي غير روتيني يعد له جيدا …
ومن خلال مراجعة أداء عدد من المحافظين الذين تعاقبوا على المحافظة لاحظت أن عملية المرور و المتابعة تكون في بداية التكليف ويتم إلقاء الضوء عليها إعلاميا وسرعان ما تهدأ الأمور وتختفي تلك الظاهرة بعد أن يثبت معالي المحافظ أركان حكمه ويكمل إحكام قبضته على كافة الأمور داخل المحافظة ..
….
المرحلة الحالية تتطلب نوعيات بمواصفات خاصة، كما يجب أن يتم تدريبهم – ولا حرج ولا عيب في ذلك – قبل أن يتقلدوا مهام المنصب الجديد … شهر أو شهرين قبل تولي المسؤولية يتعرفون فيه على أهم المشاكل التي يمكن أن تواجههم … وطرق التعامل مع البيروقراطية العميقة التي توغلت داخل جهازنا الإداري العتيق …
ليس مطلوبا أن تترك الأمور للتمنى …
أيضا لابد من مراعاة متطلبات واحتياجات وطبيعة وظروف كل محافظة عند اختيار أو ترشيح محافظ لها …
فلكل محافظة طبيعتها وطبائع أهلها وإمكانيات تختلف من محافظة إلى أخرى …
أعيدوا لهذا المنصب رونقه وأحسنوا اختيار من يتقلده …
خففوا العبء عن كاهل الحكومة المركزية …
هل من سبيل إلى تحقيق ذلك … ؟؟
نأمل .. ونتمنى .