تحقيقات وتقارير

دعوى جنوب إفريقيا سلطت الضوء عليها .. محكمة العدل وحكاية 80 عاماً من النضال

يطلق عليها أيضا اسم «المحكمة العالمية».. وهي تابعة للأمم المتحدة.. وتنظر في الخلافات والنزاعات بين الدول

 

تقع بقصر السلام بمدينة لاهاي جنوب هولندا على ساحل بحر الشمال

على مدار أكثر من 8 عقود، لعبت محكمة العدل الدولية دورا مهما في تطوير وتنفيذ القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وفي تحقيق الأمن والعدالة على مستوى العالم.

وفي أعقاب رفع جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.. طرأت أسئلة عديدة على الأذهان حول كيفية عمل محكمة العدل الدولية؟ وما هي مهامها؟ وكيف يتم تعيين القضاة الذين يشتغلون فيها؟ وما هو الفرق بينها وبين الجنائية الدولية..

ونظرت محكمة العدل الدولية يومي الخميس والجمعة في طلب جنوب أفريقيا، ولأول مرة.. وافقت تل أبيب على المثول أمام هذه المحكمة من أجل إسقاط ما أسمته بالاتهامات “التي لا تملك أية قاعدة واقعية أو قانونية”. وهي المرة الأولى التي تقبل فيها إسرائيل الوقوف أمام هذه المحكمة.

يأتي ذلك وسط توقعات بصدور القرار بشأن طلب التدابير الأولية في غضون أسابيع قليلة.. وفي حالة انتقال القضية إلى المرحلة التالية والتي تُعنى باتخاذ قرارات بشأن جوهر القضية، وتحديدًا حسم مسألة ارتكاب إسرائيل للأفعال المزعومة في الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا أم لا، فإن الأمر قد يستغرق سنوات.

مرافعة تاريخية..

أبرز ما قدمته جنوب أفريقيا لفضح جرائم إسرائيل أمام العدل الدولية

في تصريحاتها الافتتاحية التي أدلت بها الخميس في جلسة الاستماع الأولى لمحكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل.. قالت جنوب إفريقيا إنها “تعترف بالنكبة المستمرة للشعب الفلسطيني”.

وأوضح الممثل القانوني لجنوب أفريقيا، أمام محكمة العدل الدولية، أن بلاده لديها أدلة جمعت خلال 13 أسبوعا تؤكد تعمد إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية في غزة، متهما الاحتلال بأنها يتمت أعدادا كبيرة من الأطفال في قطاع غزة.

وأضاف الممثل القانونى لجنوب أفريقيا أن ما أثبتته الوقائع في قطاع غزة يقتضي تدخل هذه المحكمة، مشيرا إلى أن شاحنات المساعدات التي تدخل قطاع غزة تخضع لثلاث مراحل من التفتيش.

وأوضح أن النية بارتكاب إبادة جماعية متوفرة لدى إسرائيل، كما أن تل أبيب لم تتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين في غزة، وقنص النساء والأطفال في قطاع غزة.

واستشهد ممثل جنوب أفريقيا بتصريحات نائب رئيس الكنيست والتي دعا فيها إلى محو غزة من على وجه الأرض، كما استشهد بتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي والتي قال فيها إنهم يحاربون حيوانات بشرية، معلقا بالقول: النية لتدمير قطاع غزة موجودة لدى أعلى المستويات السياسية في إسرائيل.

وتابع نية ارتكاب إبادة جماعية في غزة توجه أفعال وسلوك الجنود الإسرائيليين على الأرض، مؤكدا ان إسرائيل تستخدم الخطاب الديني لتبرير قتل الأطفال والمدنيين في غزة.

وعرض ممثل جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، مقاطع فيديو لجنود الاحتلال يرقصون ويتوعدون سكان قطاع غزة بالدمار.

وقال الفريق القانوني لجنوب أفريقيا، أمام محكمة العدل الدولية، إن إسرائيل وعلى مدى سنوات طويلة اعتبرت نفسها فوق القانون، مشيرًا إلى أن خطابات المسؤولين الإسرائيليين التي تحرض على إبادة في غزة توجه أفعال الجنود الإسرائيليين على الأرض.

وقال فوسي ماندونسيلا سفير جنوب إفريقيا في هولندا، إن الاحتلال الإسرائيلي مزق الشعب الفلسطيني وأهدر حقهم في تقرير المصير، من خلال تكثيف انتهاكاتها في قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.

واتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بأنها “دفعت أهالي غزة إلى حافة المجاعة”.

وأضاف ممثل جنوب أفريقيا خلال مرافعته أمام محكمة العدل الدولية، أن إسرائيل ارتكبت منذ عقود أعمال إبادة وفرضت حصارا على قطاع غزة.

وأشار ممثل جنوب أفريقيا، إلى أن مستقبل الفلسطينيين يعتمد على قرار محكمة العدل الدولية.

وقال مقرر محكمة العدل الدولية، إن جنوب أفريقيا تؤكد أن جرائم إسرائيل في غزة “إبادة جماعية”، مشيرا إلى أن دعوى جنوب أفريقيا تطالب بالحصانة للمدنيين في غزة وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار.

وقالت محامية من وفد جنوب إفريقيا إلى المحكمة عادلة هاشم إن “الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عددًا أكبر من الناس جراء الجوع والمرض” منه جراء أفعال عسكرية مباشرة.

الرد الاسرائيلي

رفضت إسرائيل الجمعة، في اليوم الثاني لجلسات الاستماع بمحكمة العدل الدولية، الاتهامات التي وجهتها إليها جنوب أفريقيا بأن العملية العسكرية التي تنفذها في قطاع غزة هي حملة “إبادة جماعية” تهدف للقضاء على السكان الفلسطينيين. ووصفت تل أبيب ما تقدمت به بريتوريا بأنه “قصة مشوهة بشكل صارخ”.

ودعت إسرائيل القضاة في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة إلى رفض طلب جنوب أفريقيا المتعلق بوقف هجومها على قطاع غزة الفلسطيني، قائلة إن ذلك سيمنعها من الدفاع عن نفسها.

وقال كبير المحامين المدافعين عن إسرائيل في المحكمة تال بيكر إن جنوب أفريقيا “قدّمت إلى المحكمة للأسف حقائق وصورة سردية وقانونية مشوّهة بشكل عميق”. وأضاف “كامل حججها يستند إلى وصف يتعمد إخراج الأمور من سياقها والتلاعب بحقيقة الأعمال القتالية الحالية”. وشدد على أن إسرائيل “لا تسعى لتدمير” الشعب الفلسطيني. وأكد بيكر “ما تسعى إليه إسرائيل من خلال عملياتها في غزة ليس تدمير الشعب بل حماية شعب، شعبها الذي يواجه هجمات على جبهات عدة”.

وأردف قائلا “إذا كانت هناك أعمال إبادة جماعية، فقد ارتُكبت ضد إسرائيل… حماس تسعى إلى إبادة إسرائيل”. وأضاف بيكر “المعاناة الشديدة للمدنيين، الإسرائيليين والفلسطينيين، هي أولا وقبل كل شيء نتيجة لاستراتيجية حماس”، وقال إن إسرائيل من حقها الدفاع عن نفسها.

واستطرد قائلا “إسرائيل تخوض حربا دفاعية ضد حماس، وليس ضد الشعب الفلسطيني، حتى تضمن عدم نجاحها (الحركة)”، مضيفا أن “العنصر الأساسي في الإبادة الجماعية، هو النية لتدمير شعب كليا أو جزئيا، غير موجود على الإطلاق”.

دعوى جنوب افريقيا

طلبت جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر 2023.. من محكمة العدل الدولية اتخاذ عدة تدابير مؤقتة من بينها مطالبة إسرائيل “بوقف عملياتها العسكرية على الفور في غزة” وعدم المشاركة في أعمال إبادة جماعية واتخاذ إجراءات معقولة لمنعها، والسماح أيضًا بوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتقديم تقارير بشكل منتظم إلى محكمة العدل الدولية حول هذه الإجراءات.

لماذا أقامت جنوب أفريقيا هذه القضية؟

وفي الدعوى المؤلفة من 84 صفحة، أشارت جنوب أفريقيا “إلى التزامها بموجب كونها دولة موقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية في منع حدوث إبادة جماعية”.

وكانت قد وقعت كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل على “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” لعام 1948 والتي تلزم الدول الموقعة على منع حدوث جرائم إبادة جماعية ومعاقبة المتورطين في ارتكابها.

وعرفت المعاهدة الإبادة الجماعية بكونها “أفعال معينة تهدف إلى تدمير مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية سواء بشكل كلي أم جزئي”.

وعزت جنوب أفريقيا – وفقًا للدعوى – سبب رفعها قضية ضد إسرائيل إلى تصرفات الأخيرة وتهديداتها ضد الشعب الفلسطيني بعد السابع من أكتوبر العام الماضي.

وأعلنت إسرائيل الحرب على حماس بعد هجوم الحركة في السابع من أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من 200 رهينة. وأدت الحرب إلى استشهاد أكثر من 23 ألف شخص في غزة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

13 دولة ومنظمة التعاون تدعم الدعوى المرفوعة

الفريق القانوني لجنوب أفريقيا، أعلن أن 13 دولة ومنظمة التعاون الإسلامي عبروا عن دعمهم للقضية المرفوعة مما يؤكد ضرورة اتخاذ المحكمة لتدابير مؤقتة.

وأشار إلى أن الوضع في غزة غير مسبوق وحقوق الفلسطينيين يجب حمايتها، مضيفا: “من حق الفلسطينيين في قطاع غزة عدم التعرض للإبادة الجماعية”، داعيا دول العالم بالقيام بواجبها في منع الإبادة تجاه الفلسطينيين .

أكد أن من حق جنوب أفريقيا الإشارة إلى مسؤولية إسرائيل عن انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، مشددا على أن محاولة إسرائيل تبرير هجومها لن ينقذها من نية ارتكاب الإبادة بحق جميع الفلسطينيين في غزة.

وكشف الفريق القانوني لجنوب إفريقيا، عن استشهاد 48 امرأة و117 طفلا في قطاع غزة بمعدل يومي، مضيفا: “معظم مباني غزة ومنشآتها مسح عن الأرض”.

وفي الدعوى المؤلفة من 84 صفحة، تشير جنوب أفريقيا إلى أن إسرائيل فشلت في تقديم الأغذية الأساسية والمياه والأدوية والوقود وتوفير الملاجئ والمساعدات الإنسانية الأخرى لسكان القطاع.

وأشارت أيضا إلى حملة القصف المستمرة التي دمرت مئات الآلاف من المنازل واضطرت نحو 1.9 مليون فلسطيني إلى النزوح، وأسفرت عن مقتل 23 ألف شخص وفقا لبيانات السلطات الصحية في غزة.

قضاة محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا

يقود جون دوغارد، المتخصص في حقوق الإنسان من جنوب إفريقيا، الفريق القانوني لبلاده. في المقابل، يرأس فريق الدفاع الإسرائيلي المحامي البريطاني مالكولم شو، المتخصص في النزاعات الإقليمية.

بموجب قواعد محكمة العدل الدولية، فإن الدولة التي تكون طرفاً في قضية وليس لديها قاض من جنسيتها في هيئة المحكمة يمكنها ترشيح قاض خاص، وهذا هو الحال بالنسبة لكل من إسرائيل وجنوب أفريقيا.
اختارت إسرائيل أهارون باراك، الرئيس السابق للمحكمة العليا في البلاد، الذي أعرب عن دعمه للحرب الإسرائيلية على غزة، مدعياً أن الهجوم العسكري لا ينتهك القانون الإنساني، وفقا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل.

وبالنسبة لجنوب أفريقيا، سيكون القاضي ديكغانغ موسينيكي هو القاضي الخاص في قضية محكمة العدل الدولية. وهو نائب رئيس المحكمة العليا السابق ويتمتع بمهنة قانونية وأكاديمية متميزة في جنوب أفريقيا وخارجها.

رئيسة المحكمة جوان دونوغ.. من الولايات المتحدة
نائب الرئيس كيريل جيفورجيان.. من موسكو
القاضي بيتر تومكا.. من سلوفاكيا
القاضي روني أبراهام
القاضي محمد بنونة.. من المغرب
القاضي عبد القوي أحمد يوسف.. من الصومال
القاضية شيويه هانكين.. من الصين
القاضية جوليا سيبوتيندي.. من أوغندا
القاضي باتريك ليبتون روبنسون.. من جاميكا
القاضي دالفير بهانداري.. من الهند
القاضي إيواساوا يوجي.. من اليابان
القاضي نواف سلام.. من أصل لبناني
القاضي جورج نولتي.. من المانيا
القاضية هيلاري تشارلزورث.. ولدت في بلجيكا، وتحمل الجنسية الأسترالية
القاضي ليوناردو نمر كالديرا برانت.. من البرازيل

ماهي محكمة العدل الدولية؟

يطلق عليها أيضا اسم “المحكمة العالمية”.. وهي هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة.. وتنظر في الخلافات والنزاعات بين الدول التي تعرض عليها وذلك في إطار مراعاة القانون الدولي..
لها أيضا دور استشاري في القضايا القانونية التي تطرح عليها من قبل المنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة.

جاء تأسيس محكمة العدل الدولية -الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة- بصيغتها الحالية، بعد عدة محاولات سابقة لإحداث مؤسسة دولية تقوم على تسوية النزاعات الدولية بطريقة سلمية.

بداية الفكرة

عرفت العلاقات الدولية العديد من النزاعات على امتداد العصور، وهو ما استدعى التفكير في إنشاء آليات من شأنها الفصل في القضايا الخلافية بين الدول، وقد تبلور ذلك في القرن الـ19 عندما جرت المحاولة الأولى لإنشاء ما يسمى بمحكمة التحكيم الدائمة، خلال مؤتمر لاهاي الأول للسلام عام 1899.

وبعد 8 سنوات تم تنقيح المعاهدة التأسيسية لهذه المحكمة، خلال مؤتمر لاهاي الثاني للسلام عام 1907، وهي الصيغة التي أُنشئت بموجبها محكمة التحكيم الدائمة.

ولم تكن هذه المحكمة هيئة قضائية بمعنى مؤسسة دائمة تتألف من قضاة دائمين بوظائف ثابتة، بل كانت آلية للمساعدة في تشكيل هيئات التحكيم.

هيئة قضائية دائمة

لم تنل المحكمة وضعها الكامل بمثابة هيئة قضائية، إلا بعد تشكيل عصبة الأمم عام 1919، التي حلت محلها منظمة الأمم المتحدة، وكان ذلك نتيجة للدمار والخسائر الكبيرة التي خلفتها الحرب العالمية الأولى.

عقدت محكمة التحكيم الدائمة أولى جلساتها بشكل رسمي عام 1922، ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية أدى إلى تجميدها بشكل كامل.

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية تمت مراجعة النظام الأساسي لمحكمة التحكيم الدائمة وأُنشئت محكمة العدل الدولية خلفًا لها، بموجب ميثاق الأمم المتحدة (الفصل الرابع عشر) في 26 يونيو 1945 بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية.. وكانت أولى جلساتها الافتتاحية في أبريل عام 1946.

ومنذ ذلك الحين مارست اختصاصها فيما يتعلق بفض النزاعات بين الدول، واعتبرت بمثابة الوصي على القانون الدولي، وتعمل وفق نظام أساسي يشبه إلى حد كبير نظام سابقتها (محكمة التحكيم الدائمة) الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة.

الموقع

يقع مقر محكمة العدل الدولية بقصر السلام بمدينة لاهاي جنوب هولندا على ساحل بحر الشمال، في مبنى يطلق عليه اسم “قصر السلام”.. مما يجعلها الجهاز الوحيد من بين 6 أجهزة رئيسية تابعة للأمم المتحدة يوجد مقرها خارج مدينة نيويورك الأميركية.

لديها موقع على شبكة الإنترنت تتوفر فيه جميع المحتويات المتعلقة بأشغالها باللغتين الرسميتين وهي الفرنسية والإنجليزية.

مهامها وأهدافها

تهدف محكمة العدل الدولية إلى تسوية وفض النزاعات الدولية، إذ تعمل على حل النزاعات بين الدول طبقا للقانون الدولي والعدالة الدولية، أملا منها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وتصدر بذلك قرارات قانونية ملزمة للدول الأعضاء يتوجب عليها الامتثال لها، كما تعمل أيضا على إصدار توجيهات قانونية بشأن تفسير وتطبيق الاتفاقيات الدولية.

كما تقوم بإصدار الفتاوى بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة المأذون لها بذلك.

وتسعى المحكمة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في قراراتها وأحكامها، مما يسهم في تحقيق العدالة والإنصاف، إذ تعتبر هذه الأهداف جوانب أساسية في عمل المحكمة وتثمين دورها في تعزيز العلاقات الدولية السلمية، وفهم وتطبيق القانون الدولي.

وتسعى أيضا إلى دعم وتنفيذ مبادئ العدالة والمساءلة والدفاع عن حقوق الإنسان على مستوى العالم، إذ تعمل على تعزيز سيادة القانون عبر ضمان تطبيقه بشكل متسق وعادل داخل البلدان وفيما بينها، كما تقطع مع مسألة الإفلات من العقاب بمحاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وغيرها. فضلا عن ذلك، تسهم محكمة العدل الدولية بشكل كبير في منع النزاعات وحلها، من خلال توظيف الآليات القانونية والوسائل السلمية.

تعزيز السلام العالمي

لعبت المحكمة دورا مهما على مدار أكثر من 7 عقود، في تطوير وتنفيذ القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان من خلال أدوارها وأنشطتها المهمة على مستوى لجان التحقيق ومراقبة المحاكمات، وبعثات تقصي الحقائق، والإدانات العامة، والبعثات الدبلوماسية، مما جعلها لاعبا أساسيا في تحقيق الأمن والعدالة على مستوى العالم.

وأسهمت المحكمة في حل عدد من الأزمات وتسوية العلاقات بين الدول وتفعيل مسارات التفاوض التي كان بعضها مجمدا لفترات طويلة، وذلك من خلال إيجاد حلول قانونية للنزاعات، أو بالإشارة إلى القانون الذي يتعلق بمسألة معينة.

اجراءات التقاضي أمام المحكمة

عندما تتولى المحكمة قضية ما تتم الإجراءات فيها على مرحلتين، أولا تقدم الدول الحجج والأدلة والتقارير خطيا، ثم يقدم الممثلون والمحامون المرافعات الشفوية أثناء الجلسات، وبعدها تنسحب هيئة المحكمة لتبدأ المداولات التي يغلب عليها طابع السرية، وعلى إثرها تتخذ القرارات من قبل أغلبية القضاة الحاضرين.

وتدوم مداولات المحكمة بين 4 و6 أشهر، وكل قرار يصدر باللغتين الرسميتين للمحكمة، الإنجليزية والفرنسية، ويطبع بأكثر من لغة رسمية، ويسلم إلى كل الدول المعنية وتتم قراءة الأحكام في جلسة علنية، إذ تختتم الأحكام بـ”فقرة المنطوق” الذي تقدم فيه المحكمة قرارها المتعلق بكل النقاط المختلف حولها.

وجميع الأحكام الصادرة عن المحكمة نهائية وغير قابلة للاستئناف وينبغي الإشارة إلى أن الدول المعنية التي تمثل أمام المحكمة تتعهد تلقائيا باحترام قراراتها الملزمة.

وعمليا تنفذ جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة، وإذا ما رفضت إحدى الدول تطبيقها، فيمكن للدولة الخصم اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إذ يجوز لهذا الأخير وفقا للمادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة إصدار توصيات أو إقرار تدابير لتنفيذ القرار، ولكن نظرا إلى الوزن القانوني والمعنوي والدبلوماسي للمحكمة، فإنه من النادر جدا أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة.

قضاة المحكمة

تتكون هيئة محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين لمنظمة الأمم المتحدة لولاية مدتها 9 أعوام.

فيما يعتبر جميع أعضاء “الأمم المتحدة” بحكم عضويتهم أطرافا في النظام الأساسي لهذه المحكمة. كما يجوز لأي دولة أن تنضم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لكن بشروط تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناء على توصية مجلس الأمن.

ويتم تنظيم انتخابات كل 3 سنوات على ثلث المقاعد بسبب انتهاء ولاية 5 قضاة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الولاية.. ثم 5 في نهاية السنوات الست من الولاية مع إمكانية إعادة انتخابهم.

فيما ينتمي كل قاض بشكل ملزم إلى بلد مختلف كونهم لا يمثلون بلدانهم، بل يتميزون بالاستقلالية التي تسمح لهم بالنظر في النزاعات بشكل حر ودون ضغوط.

تنص المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة على أن كل عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” يتعهد أن يطبق حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها. وفي حال امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فالطرف الآخر له الحق أن يلجأ إلى مجلس الأمن. وبإمكان هذا الأخير تقديم توصياته أو إصدار قرار بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم.

مراعاة التوزان الجغرافي

تسعى محكمة العدل الدولية إلى مراعاة التوزان الجغرافي في طريقة تعيين وانتخاب القضاة. لذا يحتل القضاة الأفارقة 3 مقاعد. وأمريكا اللاتينية وبحر الكاريبي مقعدين. فيما تكون 3 مقاعد أخرى من نصيب منطقة آسيا و5 مقاعد لقضاة من الدول الغربية و2 لقضاة من أوروبا الشرقية مع العلم أن لكل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) قاض لها في هذه الهيئة.

كيف ترفع دعوى لدى المحكمة؟

في حالة رفع دعوى أمام المحكمة بعريضة مقدمة وفقا للفقرة 1 من المادة 40 من القانون الأساسي لمجلس الأمن، فيجب أن توضح العريضة الطرف الذي يرفع الدعوى والدولة المدعى عليها وموضوع المنازعة.

كما ينبغي أن توضح العريضة قدر المستطاع الأسباب القانونية التي يبنى عليها المدعي قوله باختصاص المحكمة فضلا عن تعيين الطابع المحدد للادعاء. وهذا ما ستسعى القيام به جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى ضد إسرائيل.

الحصانة الدبلوماسية

قبل أن يتولى أي عضو من أعضاء المحكمة مهامه، يجب عليه أن يدلي بتعهد رسمي أمام محكمة معلنة بأنه سيمارس مهامه وسلطته بنزاهة وضمير ودون أي تحيز لأي جهة كانت.

فيما يتمتع أعضاء المحكمة بامتيازات وحصانة دبلوماسية تسمح لهم بالقيام بعملهم دون ضغوط أو خوف. كما لا يحق لأي موظف الانخراط في مهنة أخرى أو ممارسة وظيفة سياسية أو إدارية. عليهم أيضا ألا ينحازوا إلى طرف من طرفي النزاع.

ما هو الفرق بين محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية؟

الأولى تتعامل مع النزاعات والحروب بين الدول أما الثانية فهي تنظر في التهم الموجهة للأفراد.

أبرز قرارات المحكمة

– في مارس 2022..
أمرت محكمة العدل الدولية روسيا بتعليق عملياتها العسكرية في أوكرانيا على الفور، والتي بدأتها في 24 فبراير 2022 .. وذلك في قرار أولي في قضية رفعتها كييف.

وقالت القاضية جوان دونوهيو “المحكمة تدرك جيدًا حجم المأساة الإنسانية” في أوكرانيا و”تشعر بقلق عميق إزاء استخدام القوة الروسية الذي يثير مشاكل خطيرة جدًا في القانون الدولي”.

وأيد القرار 13 قاضيا مقابل اثنين، وعلى الرغم من أن قرارات المحكمة ملزمة فإنها لا تملك وسيلة مباشرة لتنفيذها، وقد تجاهلتها دول في الماضي في حالات نادرة.

– في يناير 2020..
قضت محكمة العدل الدولية -بإجماع القضاة- بإلزام ميانمار اتخاذ إجراءات عاجلة في حدود سلطتها، لحماية أقلية الروهينجا، ومنع وتجنب الإبادة الجماعية ضد هذه الأقلية.. وذلك عملا باتفاقية منع الإبادة الجماعية التي وقّعت عليها عام 1956.

وقد قبلت المحكمة أربعة من أصل ستة إجراءات طلبتها دولة جامبيا التي قدمت الدعوى في نوفمبر من عام 2019.

ومن بين هذه الإجراءات: إيقاف جميع أشكال العنف تجاه الروهينغيا، والعمل على منع إتلاف الأدلة، ومنع العناصر المسلحة التابعة للدولة من القيام بأي شكل من أشكال التحريض أو التآمر أو الاشتراك المباشر في جرائم ضد الروهينغيا.

– في يوليو 2004

محكمة العدل الدولية تقول إن جدار الفصل الإسرائيلي غير قانوني وتطالب إسرائيل بإزالته

رأي المحكمة صدر بأغلبية 14 صوتا مقابل صوت معارض، هو القاضي الأمريكي توماس بورغنتال “أن الجدار مخالف للقانون الدولي”، وطالبت إسرائيل بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار.

كما طالبت المحكمة دول العالم بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار، ودعت الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى النظر في أية إجراءات أخرى لإنهاء الوضع غير القانوني للجدار.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى