مقالات

د . محمد أبو علي .. يكتب: محمود درويش .. وعبدالباسط حمودة .. ونجاة الصغيرة !!

بعض الأحيان، يصبح جمال الصوت وروعته وصفاؤه ستارة جميلة نزين بها سذاجة الكلمات، ليس ستارة فقط لتجميل الكلمات، ولكن يعد وسيلة لا تقاوم في إقناع المتلقي العادي بجمال غير موجود ، إقناع يدفع المتلقي العادي والمتخصص ليدندن بكلمات ساذجة لا تحمل أي جمالية فنية وليس فيها من قيمة أدبية ، وكل ما حدث أن مطربة مشهورة جدا تغنت بها فأقنعت كل من يسمعها بجمال الكلام الساذج ، والحق أن الناس أعجبت بصوت المطربة فكان صوتها إن جاز التعبير من باب المغالطة الحجاجية، واقتنع جمهور «قولوا عااااااه» بهذه الكلمات التي ستأتيك وبدأ يرددها ملونا صوته ومحاولا التشبه بالمطرية العظيمة التي اقنعتنا بجمال صوتها فنسينا أن نفكر في الكلمات التي تتغني بها ….. علي سبيل المثال راجع أغنية صوت الكمان الجميلة نجاة وهي تقول ::::::::: مقدرش اقولك عايزه ايه
ويرضيني ايه .. الحب ميجيش بالكلام
ولا بالسكوت وازاي وليه ؟. شعر ده ؟ بذمتكم ده كلام يتغني ؟ لو ده شعر الواحد يكتب شوال كل يوم ، خد عندك ، وكمل الأغنية ::::::::؛ وتشتري إيه يا سعادة البيه .. الحب مابجييش بالسلام ولا بالسكوت ولا بالكلام ، إزاي وليه ؟ ازاي وليه ؟.

كلنا نردد مع نجاة في حالة تشبه الغياب عن الوعي هذه الكلمات الساذجة العبيطة إزاي وليه ؟ لكن صوت الكمان نجاة غيبتنا عن الوعي وضحكت علينا، وحسستنا بجمال الكلمات ووروعتها ودهشتها بصوتها الجميل الذي جعلنا ندندن معها بهذه الكلمات التي تشبه كلمات حمو بيكا وغيره ممن يسخر منهم المتثاقفون الذين يزعمون أن نجاة لا تتكرر. نعم لا تتكرر. لا تتكرر فما لنجاة اثنتان . نجاة لو غنت «لولاكي» لعلي حميدة أو «الطشت قالي يا حلوة ياللي»، ستعطي السذاجة والعبط قيمة ومعني. وتجعلنا ندندن غائبين عن الوعي سكاري من جمال صوتها وسذاجة كلماتها .. تخيلوا تفرق كتير أغنية مش فارقة كتير في الكلمات عن حمو بيكا وحوده جندول ( مش عارف مين جودة جندول ) اللي فارق كتير جمال صوت نجاة الذي لا يتكرر …. تحياتي للعبقري عبدالباسط حمودة صاحب أجمل مقولة وجودية إن جاز التعبير ، مقولة ::: أنا مش أنا. وأنت مش أنت وأنت بتسمع نجاة. راجع كده عبدالباسط حموده و لا تتأمل وجهه وهو يقول ::::::::::: أنا أنا، أنا
أنا، أنا، أنا، أنا، أنا، أنا، أنا، أنا، أنا، أنا، أنا، أنا مش عارفني
أنا تهت مني، أنا مش أنا
لا دي ملامحي، لا دي ملامحي
ولا، ولا، ولا، ولا، ولا شكلي، شكلي
ولا ده، ولا ده، ولا ده، ولا ده، ولا ده، ولا ده أنا
أنا مش عارفني أنا تهت مني أنا مش أنا
لا دي ملامحي ولا شكلي، شكلي ولا ده أنا
أنا مش عارفني أنا تهت مني أنا مش أنا
لا دي ملامحي ولا شكلي، شكلي ولا ده أنا
أبص لروحي فجأة
لقتني كبرت فجأة
تعبت من المفاجأة، ونزلت دمعتي

يا دنيا طفيتي شمعي
يا ناس كثرتوا دمعي
والعمر راح هدر
كتبت الآه بألمي
كسرتوا سن قلمي
وبرده بقول قدر
حزين من صغر سني
ومين على الآه يعيني
و وخذاني الخطاوي، لسكة تايهة مني

يا ليل الجرح يا اللي
معايا زي ظلي، مآنس وحدتي
سرقت العمر كله
خلاص ما بقاش فاضلي
غير جرحي ودمعتي
جريح وده مش بيدي
ما خذتش بس بدي
زرعت يا ناس ورودي
جنيت الشوك لوحدي

أنا مش عارفني أنا تهت مني أنا مش أنا
لا دي ملامحي ولا شكلي، شكلي ولا ده أنا
ولا ده أنا أنا مش أنا. أنا مش عارفني أنا مش أنا……… هذا القلق الوجودي المنبثق من انعدام الثقة وفقدان الأمل والحيرة الشديدة بين صورة واثقة وصورة باهتة. كل هذه المشاعر المتناقضة تستشعرها حين تجد نفسك عاجزا عن إبداء ما بداخلك من مشاعر عاصفة لآخر عاجز يستعصم بحبك للآخرين ويستنصر بهم عليك وانت قادر أن تحطم سطوته الكاذبة وتسكت احتراما للآخرين وحرصا علي مستقبل لا يستحق كل هذا الانبطاح. وقتها تستشعر هذا القلق والحيرة والتناقض والخوف في كلمات أنا مش عارفني. أنا مش أنا. أنا مش أنا.

البعض سيغضب مني ويرد ويقول: عبدالباسط حمودة عمره ما يكون قصده اللي انت /أنا بقول عليه . وأرد وأقول هل ننتظر الآخر ليريد أو لا يريد. قالها الفرزدق النقاد من قبل عليه /الفرزدق / عبدالباسط حمودة أن يقول ، وعلينا / النقاد أن نتأول . تذكر ما فعله أبونواس حين علق مستحسنا علي تفسير الناقد لقوله وقل لي هي الخمر ، ولا تسقني سرا. قال الناقد لقد تلذذ أبونواس طعما بمذاق الخمر في فمه فأراد أن يمتع الأذن صوتا- التي تعشق قبل العين أحيانا – بسماع اسم الخمر فطلب من ساقيه أن يردد علي سمعه -وهو يقدم له الخمر- اسم الخمر ، فقال له –وقل لي هي الخمر ، فاستحسن أبو نواس التفسير وقال والله ، ما أردت هذا ، ولكنه نعم التفسير ذهب . لا يهتم الناقد بكون الشاعر يريد او لا يريد . الناقد يهتم بما قاله الشاعر ويبدأ بمساحات من المراجعات لما قاله الشاعر ليكون قادرا علي إعادة تشكيل نص المبدع من جديد بتقديمه إلي الوجود في شكله الجديد فالبلاغة تجرح المعني كما يقول درويش والناقد يعطي للنص أبعادا جديدة لا تكون إلا بقراءته المعجونة بثقافات متنوعة تعيد تشكيل المعني الموجود في بطن المؤلف، ولا يخرج أبدا إلا علي يد ناقد طبيب يستطيع أن يقوم بعملية إيلاد /توليد قيصرية عنيفة فيميت الوالد وينسب المولود الجديد إلي نفسه . طيب بلاش أنا مش عارفني تعالي اقرأ معي المدهش درويش وهو يقول ::::: لو كُنْتُ غيري في الطريق، لما التفتُّ
إلى الوراء، لَقُلتُ ما قال المسافرُ
للمسافرة الغريبِة: يا غريبةُ! أَيقظي
الجيتارَ أكْثَرَ! أَرجئي غَدَنا ليمتدَّ الطريقُ
بنا، ويتَّسعَ الفضاءُ لنا، فننجو من
حكايتنا معاً: كَمْ أَنتِ أَنتِ… وكم أنا
غيري أمامك ها هنا!

لو كُنْتُ غيري لانتميتُ إلى الطريق,
فلن أعود ولن تعودي. أيقظي الجيتار
كي نتحسِّسَ المجهولَ والجهةَ التي تُغْوي
المسافرَ باختبار الجاذبيّة. ما أنا إلاّ
خُطَايَ، وأنت بوصلتي وهاويتي معاً.
لو كُنْتُ غيري في الطريق، لكُنْتُ
أَخفيتُ العواصفَ في الحقيبة، كي
تكون قصيدتي مائيّةً، شَفَّافَةً, بيضاءَ
تجريديَّةً, وخفيفةً… أَقوى من الذكرى،
وأَضْعَفَ من حُبَيْبَات الندى, وَلَقُلْتُ:
إنَّ هُوِيَتي هذا المدى!
لو كُنْتُ غيري في الطريق, لَقُلتُ
للجيتار: دَرِّبْني على وَتَرٍ إضافيِّ!
فإنَّ البيتَ أَبعدُ، والطريقَ إليه أَجملُ
هكذا ستقول أُغنيتي الجديدةُ كلما
طال الطريق تجدَّد المعنى، وصرتُ اُثنين
في هذا الطريق: أَنا… وغيري!
تَنْظُرُ الوُجُودِيَّة إلى الإنسان بوصفه «مجموعة متناقضات لا يَعْرِفُ التَّوفيقُ بينها سبيلاً»( ) ؛ فهو كَائِنٌ مُمَزَّق، يُمَزِّقُهُ التَّوَتُّر الباطنيّ، ويَتْرُكُه مثخنًا بالجِرَاح؛ فالوجوديونَ يَبْعُدُونَ عن الهُدُوء، وشِعَارُهُم: (الهُدُوء خِيَانة لحياة النَّفْس)، ويتصفُّ الوُجُود الإنسانيّ بالاختيار الحُرّ بكل ما فيه من تحمُّل للمسؤولية، وحُبّ للمُخَاطرة؛ فالإنسان عندهم صانع وُجُودُه. ( )
ووُجُوده – في هذه الحياة – يُرَادِفُ اليأس، والخوف، والقلق، والعبث، والضياع، وغير ذلك من الآلام؛ وذلك لأنَّ العالم وُجِدَ بلا عِلْمٍ، ولا حِكْمَة، ولا قانون، إلا قانون أنه لا يستطيع إلا أن يوجد، وأن يفترس كُلّ مَنْ فِيهِ، وما فيه. ( )

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى