أيمن بدر يكتب: تجار الوطنية
تُعد الوطنية قيمة سامية، رابطاً مقدساً يجمع أبناء الوطن تحت مظلة الولاء والانتماء والتضحية، ولكن، ككل القيم النبيلة، تتعرض الوطنية للاستغلال والتشويه على أيدي فئة من الأفراد يُمكن وصفهم بـ “تجار الوطنية”، هذه الفئة هي التي ترفع الشعارات الرنانة وتتحدث بلسان الإخلاص في الإعلام والساحات العامة، بينما تتخذ من حب الوطن قناعاً ومطية لتحقيق مصالحها الشخصية الضيقة.
إن السذاجة وحدها هي من تقودنا للاعتقاد بأن كل صوت يرتفع باسم “حب الوطن” هو صوت صادق، فبالبحث خلف الكواليس، نجد أن “تاجر الوطنية” شخص انتهازي بامتياز؛ يتقن فن التمثيل أمام المجتمع، ويجيد المراوغة بعبارات التضحية والوفاء، لكن كل تحركاته تهدف في النهاية إلى تعظيم مكاسبه الذاتية، سواء كانت مالية أو سلطوية أو اجتماعية، إن الوطن بالنسبة له ليس غاية، بل هو وسيلة رخيصة للوصول إلى الغايات.
هؤلاء الأشخاص يمثلون الخطر الحقيقي الكامن على أي مجتمع، لماذا؟ لأنهم لا يخونون الوطن بالضرورة عبر أفعال تخريبية واضحة، بل يخونونه عبر إفساد القيمة الأساسية التي يُبنى عليها المجتمع: الثقة والإخلاص.
وعندما يرى المواطن الصادق أن المتاجرين بالشعارات هم من يحصدون المناصب والمكاسب، يبدأ الشعور بالإحباط والتساؤل حول جدوى الإخلاص الحقيقي.
إن التحدي يكمن في كيفية التمييز بين الوطني الحقيقي وتاجر الوطنية، الوطنية الحقة تُقاس بالأفعال والنتائج، بالعمل الصامت، بالتفاني في الواجب، وبوضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة، أما تجارة الوطنية، فتُقاس بضجيج التصريحات، واستعراض الولاء في الأزمات، والقفز على الفرص، والتخفي وراء الخطابات المثالية التي لا يترجمها شيء على أرض الواقع.
من هنا، يصبح واجبنا المجتمعي هو تجريد هؤلاء الانتهازيين من أقنعتهم. يجب أن نُخضع كل شعار وطني لاختبار الأفعال، وأن نُحاسب من يتشدقون بالإخلاص على نتائج أعمالهم، لا على بلاغة خطابهم، إن محاربة تجار الوطنية هي معركة من أجل استعادة المعنى النقي للانتماء، وضمان ألا تصبح ساحات الوطن مغنماً لكل من يجيد رفع الصوت بالباطل.






