تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: العضوض والأثمان الباهظة (28)

الأمويون في الميزان

لم تتعرض دولة في الإسلام لاتهامات وأكاذيب مثل تلك التي تعرضت لها الدولة الأموية، واستغل العباسيون أن تدوين التاريخ بشكل حقيقي بدأ في زمنهم، فأتاحوا الفرصة لكل طاعن في الأمويين أن يفعل مايحلو له، رغم أن دولة بني أمية كانت فيها الفتوحات العظيمة التي لم نرها في أي دولة أخري رغم عمرها القصير، فلم تدم أكثر من 92 عاما.

كانت الدولة الإسلامية في عهد الأمويين تمتد من حدود الصين شرقا إلي جنوب فرنسا غربا ومن النوبة شمالا إلي آسيا الصغري جنوبا، وهذه الرقعة العظيمة لم يضف إليها العباسيون شبرا واحدا رغم أن دولتهم إستمرت اكثر من 500 عام.

العباسيون أيضاً لم يحافظوا علي هذه الرقعة العظيمة التي تركها الأمويون، فلم يكن هناك سلطان لبني العباس في الأندلس وانسلخت منهم تماما بعد أن نجح عبدالرحمن الداخل حفيد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك في الهروب إلي الأندلس في أبرع وأغرب وأعجب عملية هروب في التاريخ ليعيد مجد آبائه ويبني ملكا عظيما لأسرته في قلب أوروبا.

ثم خرجت إفريقيا من سلطان العباسيين في عهد الرشيد فجعل إبراهيم بن الأغلب حاجزا بينه وبين الخوارج ودولة الأدارسة العلوية في المغرب، وأصبحت دولة الأغالبة شبه مستقلة عن الدولة العباسية، فكان ملوكها من ذرية إبراهيم بن الأغلب لفترة طويلة وكان ما يربطها بالخلافة العباسية الدعاء للخليفة علي المنابر وسك العملة وخراج قيمته 40 ألف دينار سنويا، لكن تعيين الولاة أو عزلهم لم يكن من شأن الخليفة العباسي.

ثم انسلخت خراسان بنفس الطريقة في عهد المأمون مكافأة لطاهر بن الحسين علي دوره الكبير في حسم الصراع الدموي بين الأمين والمأمون لمصلحة المأمون، فولاه خراسان التي أصبحت حكرا علي أولاد طاهر الذين أسسوا في خراسان الدولة الطاهرية شبه المستقلة عن الدولة العباسية واستمرت أكثر من 50 عاما.

ويقول الدكتور حمدي شاهين في كتابه «الدولة الأموية المفتري عليها» :”إذا كان الله عز وجل قد قيض للحديث النبوي الشريف من يكشف صحيحه من ضعيفه وموضوعه لما له من أهمية تشريعية خاصة، فإن طبيعة علم التاريخ واتساع مجاله وتعدد عصوره وفيض رواياته قد وقف حائلا دون تتبع كل محاولات التحريف والكذب فيه خاصة في ظل اتساع مصادره وتنوعها.

وقد تنبه بعض كبار مؤرخينا القدامي إلي شيوع الوضع في الرواية التاريخية لكنهم كانوا ينشرونها مخافة اتهامهم بأنهم جهلوا أشياء ذكرها غيرهم .

ويقول عمدة المؤرخين محمد بن جرير الطبري في مقدمه كتابه تاريخ الرسل والملوك:  ما في كتابي هذا من خبر يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما من بعض ناقليه إلينا “.

ولا يجب أن نغفل أن أعداء الأمويين كانوا كثيرين ولم يقتصروا علي بني هاشم فهناك ايضا آل الزبير بن العوام والشيعة والخوارج والمعتزلة الذين ظهروا أواخر العصر الأموي، ومن المؤرخين الذي أفرطوا في الكذب علي الأمويين أبو مخنف وهشام الكلبي وأبوه محمد والأصفهاني واليعقوبي والمسعودي وكلهم مؤرخون شيعة كان الكذب والتشويه شعارهم في كتاباتهم.

لا نقصد بالطبع أن الأمويين كانوا ملائكة فقد كانت لهم أخطاء جسيمة لأنهم بشر، لكن في نفس الوقت كانت لهم حسنات عظيمة .

فالإمام الحافظ المؤرخ ابن كثير يقول في حق الأمويين: “كانت سوق الجهاد قائمة في بني أمية، ليس لهم شغل إلا ذلك، قد علت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها، وقد أذلوا الكفر وأهله، وامتلأت قلوب المشركين رعبًا من المسلمين، لا يتوجه المسلمون إلى قُطْرٍ من الأقطار إلا أخذوه، وكان في عساكرهم وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين في كل جيش، منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه”.

وضمت دولتهم كوكبة من القادة والفاتحين العظام أمثال عقبة بن نافع وموسي بن نصير وقتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم الثقفي.

ويقول الدكتور راغب السرجاني في كتابه قصة الإسلام: كان الأمويون يقتحمون غمار الجهاد بأنفسهم، فقد أرسل معاوية إبنه يزيد على رأس جيش لحصار القسطنطينية، وأرسل عبد الملك ابنه الوليد مراتٍ للغزو في بلاد الروم، وكان ابنه الثاني مسلمة قائد جبهة الروم، وغزواته أكثر من أن تُعد، وأولاد الوليد بن عبد الملك وهم العباس وعبد العزيز وعمر ومروان كانوا يغزون في بلاد الروم، ويساعدون عمهم مسلمة بن عبد الملك في ذلك.

كما أن سليمان بن عبد الملك كان ابنه داود على رأس قواته المجاهدة في بلاد الروم، وأما هشام بن عبد الملك فقد كان يفرض الغزو على بني مروان جميعًا، ومن يتأخر عن الغزو يمنع عنه العطاء، وكان أولاده في مقدمة الغزاة، ومنهم معاوية وسليمان ومسلمة وسعيد وغيرهم.

هذا غيض من فيض عن دولة الأمويين المظلومة.

ونعود في الحلقات المقبلة إن شاء الله لأبي جعفر المنصور لنعرف كيف تخلص من أعدائه واحدا بعد الآخر في طريقه لتثبيت حكمه وسلطانه له ولأولاده وأحفاده من بعده.

 

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى