عام

صلاح رشاد .. يكتب : 
الملك العضوض والأثمان الباهظة (24)

صراع الأجيال في بداية عهد العباسيين

كانت ولاية العهد وبالا علي الدولة العباسية مثلما كانت وبالا علي الدولة الأموية من قبل ولم يتعظ اللاحقون بالسابقين.

وأصبحت هذه البدعة السيئة أساس قيام الدول، دون أن تستفيد أي منها من مصير سابقتها، وكأن الملوك كانوا يقرأون التاريخ علي سبيل التسلية وإضاعة الوقت، وليس من أجل الاستفادة من أحداثه وتجنب الخطايا والكوارث.

وهو نفس ماينطبق علي الظالمين الذين مرت عليهم مرور الكرام نهايات الظالمين المأساوية في الماضي ،فلا عظة ولا اعتبار إلي أن تنخلع قلوبهم عندما يقفون يوم القيامة أمام العزيز الجبار.

وقبل أن نستفيض في الحديث عن ملف ولاية العهد أيام السفاح أول خليفة عباسي، نحتاج الي التوقف قليلا أمام البيت العباسي لحظة تأسيس الدولة.

كان هناك 3 أجيال من ناحية المقام، وليس السن، لأن الأجيال الثلاثة كانت في سن متقاربة جدا .. وكان ذلك أمرا طبيعيا في تلك الفترة لأن الرجال كانوا يتزوجون في سن مبكرة إضافة إلي وجود الجواري وملك اليمين .. فكان فارق السن بين الأب والإبن قليلا في أحيان كثيرة، ومن أبرز النماذج في البيت العباسي محمد بن علي مهندس إقامة الدولة ووالد السفاح والمنصور، فقد كان بينه وبين أبيه 15 عاما وكان له 10 أبناء ذكور و19 أخا.

وعندما أوشكت الدولة علي الظهور كان هناك 3 أجيال: جيل الأبناء ويمثله إبراهيم الإمام وأبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور، وجيل الأعمام المؤثرين ويمثله عبد الله وصالح وإسماعيل وعبد الصمد وداود وعيسي وسليمان، وجيل أبناء الإخوة وأفضل معبر عن هذا الجيل في بداية تأسيس الدولة هو عيسي بن موسي ابن الأخ الأكبر للسفاح والمنصور والذي مات في زمن أبيه.

وقعت السلطة في حجر جيل الأبناء لأن محمد بن علي كان الإبن الأكبر لعلي بن عبدالله بن عباس، وعندما مات محمد عام 125 هجريا تسلم الراية إبنه الأكبر إبراهيم الذي تلقب بإبراهيم الإمام، وهو الذي أرسل أبا مسلم الخراساني إلي خراسان و ظل إبراهيم يدير شئون الدعوة العباسية بحنكة وبراعة إلي أن انكشف أمره وقبض عليه الخليفة الأموي مروان بن محمد وقتله عام 131 هجريا، يعني قبل قيام دولة العباسيين بعام واحد، وكان في التاسعة والأربعين من عمره، وكان إبراهيم قد أوصي من بعده لأخيه أبي العباس السفاح الذي كان يصغره بـ 20 عاما.

وكان هذا الأمر بمثابة لغز لم يسع لحله المؤرخون، فلماذا أسند ابراهيم الإمام أمر الدعوة بعده لأخيه الصغير السفاح وليس لأخيه الأوسط المنصور ؟ .. هل لأن السفاح ابن امرأة حرة والمنصور ابن جارية بربرية؟

ربما لكن هذا السبب ليس منطقيا لأن إبراهيم الإمام نفسه كان ابن جارية وهو الذي تولي أمر الدعوة بعد موت أبيه، ولو لم يقع في قبضة الأمويين لأصبح هو أول خليفة عباسي.

الأمر الأقرب للمنطق أن أبا جعفر لم يكن حاضرا في هذا المشهد المفصلي وقت إحساس إبراهيم بأن وقوعه في قبضة الأمويين أصبح وشيكا، وكانت لحظة مصيرية ومفصلية للبيت العباسي كله، فلن يولي إبراهيم أمر الدعوة رجلا غائبا لا يعرف مصيره، وكان بين واحد من اثنين، إما أن يجعل أمر الدعوة في أحد أعمامه، أو يجعله في أخيه الأصغر.

فكان من الطبيعي أن يسند الأمر إلي أخيه، لتظل الدعوة في بيت أبيهم، لأنها لو ذهبت إلي أحد أعمامهم فلن تعود إليهم مرة أخرى، خاصة في ظل كثرة أعمامهم ووجود عمه عبدالله بن علي رجل العباسيين القوي الذي هزم مروان في موقعة الزاب، وشن حرب إبادة علي الأمويين كادت أن تقضي عليهم قضاء مبرما، وكان يري أحقيته في خلافة السفاح لأسباب وجيهة ومنطقية.

أما الجيل الثالث الذي يضم أبناء إخوة السفاح والمنصور، فكان يمثله عيسي بن موسي الذي كان في عنفوان الشباب عند نشأة دولتهم وكان شجاعا حازما ذا رأي وبصر بالحروب وكان في سن عمه السفاح وكان سندا لعمه المنصور بصفة خاصة في مواقف كثيرة سنلقي الضوء عليها لاحقا.

هذه الأجيال الثلاثة كانت عماد البيت العباسي عند تأسيس دولتهم.

وفي الحلقة المقبلة إن شاء الله نتحدث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت السفاح لاختيار أخيه أبي جعفر ليكون ولي عهده.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى