تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (10)

خطة الوليد لخلع سليمان

قلنا في الحلقة الماضية إن سليمان وجد نفسه في موقف لايحسد عليه بعد أن أمره أخوه الوليد بأن يرسل يزيد بن المهلب مقيدا مغلولا، ولم يكن أمام سليمان إلا أن يلعب علي وتر القرابة القريبة من جديد، علي أمل أن يلين قلب أخيه الذي لايلين بسهولة، فأحضر ولده أيوب فقيده، ثم دعا بيزيد بن المهلب وقيده، ثم شد القيدين معا بسلسلة، وغلهما جميعًا، وحملهما إلى أخيه الوليد، وكتب إليه: أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان، وقد هممت أن أكون ثالثهما، فإن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد فبالله عليك فابدأ بقتل أيوب، ثم اجعل يزيدًا ثانيًا، واجعلني إن شئت ثالثًا، والسلام، (رسالة ترقق القلب القاسي وتلين الحجر).

فلما دخل يزيد بن المهلب وأيوب بن سليمان على الوليد في سلسلة واحدة، أطرق الوليد استحيًاء، وقال: لقد أسأنا إلى أبي أيوب إذ بلغنا به هذا المبلغ. 

فأخذ يزيد يتكلم ويحتج لنفسه، فقال له الوليد: ما تحتاج إلى الكلام، قد قبلنا عذرك، ثم أحضر حدادًا أزال عنهما الحديد، وأحسن إليهما، ووصل أيوب ابن أخيه بثلاثين ألف درهم، ووصل يزيد بن المهلب بعشرين ألف درهم، وردهما إلى سليمان، وكتب كتابًا للحجاج مضمونه: لا سبيل لك على يزيد بن المهلب، فإياك أن تعاودني فيه بعد اليوم.

فسار يزيد بن المهلب إلى سليمان، وأقام عنده في أعلى المراتب وأفضل المنازل.

وإننا نتعجب، هل شخصية مثل سليمان بكل ما فيها من مزايا وخصال حميدة كانت تستحق التضييق عليها من أجل التنازل عن ولاية العهد؟

بالطبع لا، لكنها آفة حب الولد التي لم يتخلص منها إلا الخليفة العباسي المأمون، والذي سيحين الحديث عنه في وقته إن شاء الله.

بدأ سيناريو خلع سليمان الذي رفض أن يرفع الراية البيضاء بسهولة، وبذل الحجاج جهودا كبيرة في هذا الشأن، هو وعماله علي كل الولايات التي تحت سلطانه .. وكان ممن سارع في إتمام هذا السيناريو الفاتح الكبير قتيبة بن مسلم والي خراسان، ليكون في مأمن من بطش الحجاج وغضبه وقد دفع حياته ثمنا بعد ذلك.

ثم جاءت النهاية المحتومة للحجاج بعد أن قتل عالم الأمة في عصره وهو سعيد بن جبير رحمه الله أحد أبرز علماء الإسلام علي مر العصور .. ويكفي الحجاج خزيا وعارا ووبالا وإجراما أن يكون مقتل سعيد بن جبير علي يديه.

ورغم أن سليمان كان أخا شقيقا للوليد إلا أن حب الولد كان أقوي من رابطة الأخوة التي كادت ان تنفصم في ظل إصرار الوليد علي خلع سليمان، وقد استشار الوليد إبن عمه العظيم عمر بن عبدالعزيز في ذلك فرفض وقال إن لسليمان في أعناقنا بيعة، فاغتاظ منه وسجنه وخنقه بمنديل حتي كادت أن تزهق روحه.

فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر وأخت الوليد، تدخلت عندما رأت أخاها يكاد يقتل زوجها الحبيب وابن عمها، فتراجع الوليد الذي أعمي حب الولد بصره وبصيرته.

وجاءت تصاريف القدر لتقضي علي الخطة التي رسمها بإحكام الثنائي، الوليد والحجاج، لإقصاء سليمان،فقد هلك الحجاج ومن بعده الوليد فلم يفصل بينهما في الموت سوي عام واحد تقريبا أو اقل قليلا .. ليقف الموت في صف سليمان وينقذه من خلع مؤكد علي يدي الوليد والحجاج .. لتصل الخلافة إلي سليمان ولسان حال الخلافة يقول “وتقدرون فتضحك الأقدار “.

فماذا فعل سليمان وكيف انحاز لابن عمه العظيم عمر بن عبدالعزيز الذي كان درة في جبين الخلافة الأموية بل في جبين الخلافة الاسلامية علي مر العصور ؟

نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى