تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (15)

حكاية هشام مع ابن أخيه الوليد

مات يزيد بن عبد الملك وهو في السادسة والثلاثين من عمره بعد ولاية لم تتجاوز 5 سنوات وتولي الخلافة بعده أخوه هشام .. (عبدالملك هو الخليفة الوحيد في الإسلام الذي تولي أربعة من أبنائه الخلافة وهم علي الترتيب الوليد وسليمان ويزيد وأخيرا هشام).

وكان هشام آخر الخلفاء الأقوياء في دولة بني أمية وخاتمة عهد الرخاء والإستقرار واستمر في خلافته 20 عاما، ( وكان أبوجعفر المنصور شديد الإعجاب بشخصية هشام بن عبدالملك وقال عنه إنه كان محشوا عقلا، وطبعا الفضل ماشهدت به الأعداء ).

كان هشام يسعي لأن يكون ابنه مسلمة هو ولي عهده، لكن ابن أخيه وولي عهده الوليد كان حجر عثرة في طريق تحقيق هذه الأمنية ..وكان الوليد بن يزيد من أكثر الشخصيات التي أثارت جدلا في تاريخ بني أمية .. فهناك مصادر تصفه بأنه كان فاسقا ماجنا مدمنا للخمر .. ومصادر أخري تصفه بالصلاح وتحري العدل .

يقول الدكتور راغب السر جاني في (قصة الإسلام) إن القارئ يُصاب بالحيرة جَرّاء هذا التناقض .. لكن يبدو أن الوليد بن يزيد الملقب بالوليد الثاني نشأ نشأة فيها بعض العبث واللهو، فاستغل عمه هشام ذلك وسهَّل له طرق اللهو والمجون، متمنيا أن ينساق الوليد في ذلك وينشغل عن المطالبة بالخلافة، ومن الممكن أن يجره هذا الانسياق إلي سلوكيات مذمومة تبرر خلعه من ولاية العهد، ما يفتح الباب أمام هشام لتولية ابنه مسلمة.

ونتيجة للضغط الذي تعرض له، خرج الوليد من دمشق، ونزل قصر الأزرق في الصحراء، ولم يزل مقيمًا فيه حتى توفي هشام، فجاءه الكتاب بموته وبيعة الناس له.

وكان هشام قد ترك خزائن بيوت الأموال عامرة بملايين الدراهم والدنانير لدرجة انه قال عند موته (أرانا كنا خزانا للوليد) يقصد أن كل ما فعله من تدبير وإنعاش لخزانة الدولة صب في مصلحة الوليد بن يزيد).

استهل الوليد خلافته بالاهتمام بأحوال رعيته، فشرع في إعداد الخطط و تنفيذها لتحسين أوضاع المواطنين المعيشية، كسبًا لودهم، ولبلوغ هذه الأهداف اتخذ 3 قرارات:

1 رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين في العاصمة، فَوَاسَى البؤساء والضعفاء والعجزة والقاعدين والمكفوفين من أهل الشام، ووزَّع المعونات والهدايا على أطفالهم.

2 زيادة رواتب المواطنين المسجلين في ديوان العطاء؛ فرفع رواتب أهل الأمصار جميعًا عشرة دراهم، ومنح أهل الشام عشرة دراهم أخرى، وضاعف الأعطيات والهبات لأقربائه الذين قدموا عليه وأعلنوا مساندتهم له، ، وتَأَلَّف أهل المدينة ومكة واسترضاهم فأعاد إليهم أرزاقهم وحقوقهم المالية.

3بناء بعض المنشآت المائية للنهوض بالزراعة وتوسيع رقعة الأراضي التي تزرع في الصيف وزيادة محاصيلها، ورفع أجر العاملين بها

كما اهتم الوليدُ بشئون الدولة العسكرية، وكانت حركة الجهاد قد ضعفت منذ نهاية العقد الأخير من القرن الأول، وتحول دور المسلمين في حدودهم الشرقية مع الترك وحدودهم الشمالية مع الروم من الهجوم والفتح، إلى الدفاع والحفاظ على البلدان التي نشروا الإسلام فيها، وبسطوا سلطانهم عليها، ومع ذلك فإنه تمت في عهد الوليد بعض الفتوح الجديدة، ففُتِحَتْ قبرص.

ورغم قصر مدة خلافة الوليد إلا أن القرارات الثلاثة الإصلاحية التي طبقها، وبعض الفتوحات والغزوات المظفرة التي قادها أخوه العمر بن يزيد تدل على تفكيره في مشاكل رعيته المالية والاجتماعية والزراعية، ، وتدل على اجتهاده في بعض حركة الفتوح والجهاد وتقويتها، وحماية حدود الدولة.

لكن تواكب مع الجهود الإصلاحية التي بذلها الوليد بن يزيد إجراءات انتقامية وضعته في قلب النار وقضت عليه .. نذكرها في الحلقة المقبلة إن شاء الله .

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى