صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (17)
شرخ في جدار البيت الأموي
قلنا في الحلقة الماضية إن الوليد بن يزيد وضع نفسه في قلب النار بأعماله الإنتقامية التي أثارت غضب قطاع عريض من البيت الأموي، وبعض القبائل اليمنية لتشتعل الثورة ضده ويدفع حياته ثمنا لها.
كان الأمراء الأمويون قد كثروا في الفترة الأخيرة من دولتهم، وكان أغلبهم من ذرية الثلثة الكبار، من أبناء مروان بن الحكم، وهم: عبد الملك وعبد العزيز ومحمد، وأقلهم من ذرية يزيد بن معاوية.
وكان معظم الأمراء الصغار من أولاد الوليد وهشام والحجاج بن عبد الملك بن مروان، ومن أبناء عمر بن عبد العزيز عُصبةً واحدةً على الوليد، جمع بينهم التذمر منه والمنافسة له، والطمع في عزله.
وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك أدهى خصوم الوليد، وأشدهم طعنًا فيه، وأكثرهم تحريضًا عليه، وأقواهم عزمًا على الإطاحة به، وساند يزيدُ في هذا المخطط إخوتَه بشرًا ومسرورًا وعمر، وروحًا وإبراهيم.
أما الأمراء الأمويون الكبار من أبناء عبد الملك ومن أبناء أخيه، محمد بن مروان بن الحكم، ومن أحفاد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فكانوا أرجح عقلاً من الأمراء الصغار المتسرعين، وأكثر اعتدالاً وأوسع أفقًا، فسالموا الوليد وصانعوه وأيَّدوه، وحاولوا كبح جماح الأمراء الصغار.
وكان من الأمراء الكبار الذين مع الوليد بن يزيد، مروان بن محمد بن مروان، وسعيد بن عبد الملك بن مروان، وكان الاثنان من أعمدة البيت المرواني في ذلك الوقت سنا وخبرة، لذلك كانا ينكران الوثوب بالوليد ويسعيان لردع الأمراء الصغار المتذمرين المتسرعين، وإخماد الفتن بينهم وبين الوليد، خاصة أن العواقب ستكون وخيمة ليس علي الوليد بن يزيد فحسب، بل علي الدولة الأموية كلها (وهكذا هم العقلاء وأصحاب الخبرة والتجارب يرون الأحداث برؤية ثاقبة ويعلمون مايمكن أن تتسبب فيه التصرفات الحمقاء والمتسرعة من كوارث وأزمات).
وعندما علم مروان بن محمد أن يزيد بن الوليد يدعو لنفسه، بعث إلى سعيد بن عبد الملك بن مروان يحثه على تدارك الفتنة قبل وقوعها وقال له في كتابه:
“إن الله جعل لكل أهل بيت أركانًا يعتمدون عليها ويتقون بها المخاوف وأنت -بحمد الله- ركن من أركان أهل بيتك..”.
فلما وصلت الرسالة سعيد بن عبد الملك أعظم ذلك، وبعث بكتابه إلى العباس بن الوليد فدعا أخاه يزيد (محراك الشر ومحور الأحداث الملتهبة ) وحذره فقال يزيد: يا أخي، أخاف أن يكون بعض من حسدنا هذه النعمة من عدونا أراد أن يغري بيننا، وحلف له أنه لم يفعل فصدقه، وانخدع العباس بكلمات أخيه يزيد واكتفي بهذه التطمينات الوهمية، لكن ظل الخناق يضيق علي الخليفة الوليد بن يزيد والأرض تهتز تحت قدميه.
فماذا حدث بعد ذلك؟
وهل كان في استطاعة حكماء بني أمية رأب الصدع واحتواء الفتنة ؟
نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله.