تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (23)

مقتل مروان ..ونهاية الدولة الأموية

رغم أن مروان بن محمد كان بطلاً شجاعاً داهية، رزيناً، كما وصفه ابن كثير في تاريخه، إلا أن الخرق كان قد اتسع علي الراتق فقد وصل إلي الخلافة متأخرا جدا كما قلنا قبل ذلك.

ودفع الفاتورة كاملة رغم أنه كان يمتلك أيضا كوكبة من الولاة الدهاة أمثال نصر بن سيار والي خراسان ويزيد بن هبيرة والي العراق وكانا من رجال عصرهما حنكة وسياسة وضبطا للأمور، كما كان كاتبه أسطورة عصره وهو عبدالحميد بن يحيي الشهير بعبدالحميد الكاتب أحد أهم وابرز اساطين الكتابة في تاريخ الإسلام.

قال عنه ابن عبد ربه صاحب كتاب العقد الفريد” عبد الحميد أول من فتق أكمام البلاغة، وسهَّل طرقها، وفك رقاب الشعر، فضربت الأمثال ببلاغته”، كما قيل أيضا: بدأت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد.

لكن هذا الكاتب الأسطورة لم يرحمه العباسيون عندما وقع في قبضتهم وقتلوه ليفقد الأدب العربي أسطورته وأول من وضع أصوله الفنية.

نعود إلي الأحداث الملتهبة في الدولة الأموية التي كانت شمسها قد بدأت في المغيب بعد موت هشام بن عبدالملك عام 125 هجريا فهو آخر الخلفاء الأقوياء وكان محشوا عقلا كما وصفه ابو جعفر المنصور الذي عاش شبابه كله زمن هشام، لكن خليفة هشام كان الوليد بن يزيد وسردنا أفعاله التي قادت الأسرة الحاكمة لمحنة لم تنج منها، بل كانت من أهم أسباب زوال دولتهم.

وكانت الدعوة العباسية قد سرت في خراسان مسري النار في الهشيم وتزلزلت الأرض تحت أقدام والي خراسان الداهية العجوز نصر بن سيار بعد الإنتصارات المدوية التي حققها هناك عبد الرحمن بن مسلم الشهير بأبي مسلم الخراساني، مادفع ابن سيار إلي أن يعبر عن واقع بني أمية المرير بأبيات بليغة، فقال:

أري تحت الرماد وميض نار

ويوشك ان يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تذكي

وإن الحرب أولها كلام

فإن لم يطفها عقلاء قوم

يكون وقودها جثث وهام

فقلت من التعجب ليت شعري

أأيقاظ أمية أم نيام

فإن يقظت فذاك بقاء ملك

وإن رقدت فإني لا ألام

ووصلت الرسالة الخطيرة إلي مروان لكن الأهوال كانت تحيط به من كل ناحية، ولم يكن قادرا علي أن يمد نصرا بمدد أو يساعده فاكتفي بأن قال له الشاهد يري ما لا يري الغائب.

ثم أرسل مروان إلي يزيد بن هبيرة والي العراق ليمد نصرا بجند وسلاح.

لكن نهاية بني أمية كانت تسير بسرعة الصاروخ بفضل انقسام البيت الأموي علي نفسه، والفتن التي حاصرتهم من كل جانب، والأهم من ذلك كله الدعوة العباسية التي كانت من أبرع الحركات السرية في التاريخ كله وليس في تاريخ الإسلام فحسب.

ولعب أبو مسلم الخراساني الدور الأبرز في القضاء علي الدولة الأموية، ومعه عبد الله بن علي عم الخليفتين السفاح والمنصور الذي كان قائد الجيش الذي هزم الأمويين في معركة الزاب الفاصلة، وفر مروان إلي مصر، ولكن أي فرار وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فأرسل عبد الله بن علي أخاه صالحا وراءه الي مصر وكان مروان كلما مر ببلد ورأوا قلة من معه طردوه وقالوا: مرعوب مهزوم.

(وهكذا دائما التاريخ والناس لاينصفان المهزوم!!)

ووصل مروان الي قرية أبو صير جنوب الجيزة وكانت وراءه سرية يقودها عامر بن اسماعيل أحد قواد صالح بن علي عم السفاح، وهاجموا مروان ليلا وقتلوه دون أن يعرفوه حتي سمعوا رجلا يقول: صرع أمير المؤمنين فأخذوا رأسه وأثناء تنظيف الرأس قبل إرسالها لعبد الله بن علي جاءت هرة (قطة) فاقتلعت لسان مروان ومضغته كما جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي.

وعندما وصل الرأس إلي عبد الله بن علي وعرف قصة الهرة ولسان مروان قال: “لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان فى هرة لكفانا ذلك”.

هذه كانت نهاية خليفة قوي كان يدعي له علي المنابر في إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف لها أجزاء كبيرة في آسيا وإفريقيا وأوروبا.

فهل هناك هوان للدنيا أشد من هذا ؟

ننتقل إن شاء الله الي ولاية العهد في الدولة العباسية وأثمانها الباهظة، لكن قبل ذلك يجب أن نلقي الضوء علي أهم رجالات البيت العباسي في بداية دولتهم، لكي تتضح الصورة أكثر ونحن نغوص في أعماق دولة استمرت أكثر من 500 عام.

وهذا حديث الحلقات المقبلة إن شاء الله .

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى