تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (27)

أبو جعفر المنصور وعبد الملك بن مروان .. تشابه عجيب !!

كان هناك تشابه عجيب بين أبي جعفر المنصور وبين عبدالملك بن مروان، حتي إننا لا نبالغ إذا قلنا إنهما كانا (فولة) وانقسمت نصفين .. نصف ظهر في الدولة الأموية .. والنصف الآخر ظهر في الدولة العباسية .

عبد الملك هو المؤسس الثاني للدولة الأموية بعد مؤسسها الأول معاوية رضي الله عنه، وأبو جعفر هو المؤسس الحقيقي لدولة بني العباس .. وقد بدأ عبدالملك وأبوجعفر حياتهما بطلب العلم الديني .. وتبحر عبدالملك في هذا المجال حتي أصبح فقيها من أبرز فقهاء المدينة، لكن السياسة أخذته من الفقه، والملك والسلطان أخذاه من الزهد والورع .. فكسب الدنيا الفانية .. والله أعلم بمصيره في قبره بعد سيئاته وذنوبه .. فيا ويل من كان الحجاج بن يوسف في صحيفته .

ومن العجائب أن أبا جعفر المنصور رافق في شبابه سفيان الثوري لبعض الوقت خلال طلب العلم، فأصبح سفيان أ

مير المؤمنين في الحديث، وأصبح أبوجعفر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، وشتان ما بين هذا وذاك، فكان سفيان والله هو الفائز الأكبر، وكان سفيان رغم صلته القديمة بأبي جعفر يتهرب من لقائه في خلافته تهرب السليم من الأجرب لأنه كان يعتبره جبارا من جبابرة الدنيا.

نعود من جديد إلي التشابه بين أبي جعفر وعبدالملك، فكلاهما إستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من أجل الوصول إلي الخلافة والسلطة وتأمين ملكهما بعد ذلك، فلجأ الإثنان إلي الغدر والخديعة وعدم الوفاء بالعهود والوعود وهما قبل أن يكونا من رجال الحكم والسلطان كانا من رجال الدين، وكأن السلطة تضع علي القلب غشاوة فلا يري إلا العيش الرغيد والحياة المرفهة والسطوة والجبروت.

عبد الملك في طريقه إلي السلطة غدر بابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص وقتله بعد العهود والمواثيق حتي قيل إنه

أول من غدر في الإسلام، وأبوجعفر غدر بعمه عبدالله بعد أن أعطاه عهدا علي الوفاء له وقتل القائد الأموي يزيد بن هبيرة بعد أن أعطاه الأمان .. لذلك سخر منه بعد ذلك محمد بن عبدالله بن الحسن العلوي عندما وعده المنصور بأن يعطيه الأمان إذا لم يخرج عليه فقال له محمد : أي أمان تقصد؟ أمان عمك عبد الله أو أمان يزيد بن هبيرة ؟

حتي في المرحلة العمرية، كان عبد الملك والمنصور في سن متقاربة جدا عندما وصلا للخلافة والسلطان .. فعبد الملك كان في التاسعة والثلاثين من عمره، وأبوجعفر كان في الثانية والأربعين من عمره، وفي مدة الخلافة كانا أيضا متقاربين، امتدت خلافة عبدالملك 21 سنة (من 65 إلي 86 هجرية) وامتدت خلافة المنصور 22 سنة من (136 إلي 158 هجرية).

كما تشابه الإثنان أيضا في أنهما كانا رائدين في أمور سيئة لاتليق علي الإطلاق بمن حمل العلم وتفقه في الدين، فكان عبدالملك أول من غدر في الإسلام بعد ان غدر بإبن عمه عمرو بن سعيد وكان أول من أمر بمنكر ونهي عن معروف بعد أن قال: من قال لي (إتق الله ضربت عنقه)، وكان يقول أيضا: تطلبون منا أن نسير علي نهج أبي بكر وعمر، فهل أنتم كرعية أبي بكر وعمر؟.

أما أبوجعفر المنصور فكان أول من قرأ في النجوم من الخلفاء واستمع إلي المنجمين، وهو أول من أوقع العداوة والبغضاء بين قطبي بني هاشم العلويين والعباسيين، فقد كانوا يدا واحدة وقلبا واحدا حتي جاء المنصور وأعلنها حربا لا هوادة فيها علي العلويين وفعل بهم الأفاعيل وخاصة ذرية الحسن بن علي رضي الله عنهما وعن آل البيت أجمعين التي كادت أن تفني علي يدي ابن العم أبي جعفر المنصور !!!!

فإذا كانت ذرية الحسين رضي الله عنه قد ابتليت بيزيد بن معاوية، الذي فعل بها الأفاعيل، فإن ذرية الحسن قد ابتليت بأبي جعفر الأقرب قرابة والأمس رحما !!

وكلاهما، عبدالملك وأبو جعفر، كان بخيلا وحريصا علي جمع المال، ووصل الأمر بأبي جعفر إلي أن لقبه الناس بأبي الدوانيق لبخله وشحه (الدرهم 6 دوانيق) .

الاختلاف الوحيد أن الخلافة الأموية خرجت من بيت عبدالملك قبيل سقوطها بـ 5 سنوات عندما ذهبت إلي إبن أخيه مروان بن محمد، أما أبو جعفر فظلت الخلافة في ذريته إلي أن سقطت الدولة العباسية علي يدي التتار عام 656 هجريا.

وقبل أن نتحدث عن أعداء أبي جعفر المنصور وكيف تخلص منهم واحدا بعد الآخر في طريقه لتوطيد الملك لنفسه وأولاده من بعده، نتوقف عند الدولة الأموية ونضعها في الميزان بإنصاف بعيدا عن مبالغات المادحين وأكاذيب الكارهين.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى