عام

صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (29)

سيناريو المنصور للتخلص من أعدائه

مثلما فعل مروان بن الحكم عندما ضرب بقرارات مؤتمر الجابية عرض الحائط وجعل ولاية العهد في ولديه عبدالملك وعبدالعزيز ولم تخرج دولة بني أمية من البيت المرواني حتي سقوطها، سار أبو جعفر المنصور علي نفس المنوال.

وكان أبوجعفر يعرف أعداءه جيدا ويتخلص منهم واحدا بعد الآخر بل ويضرب بعضهم ببعض، لذلك لم يفكر في ملف ولاية العهد إلا بعد أن يتخلص من كل أعدائه وتستقر له الأمور تماما،فمن هم أعداء أبي جعفر المنصور ؟.

هم علي التريب:

1 – عمه عبدالله بن علي الذي خرج عليه وطلب الخلافة لنفسه.

2-  أبو مسلم الخراساني القائد الذي لعب أعظم الأدوار في بناء وتأسيس الدولة العباسية.

3 – العلويون من البيت الحسني الذين طلبوا الخلافة وخرجوا علي المنصور.

4 – إبن اخيه عيسي بن موسي ولي العهد الذي يجب أن يخلع نفسه منها طائعا أو مكرها راضيا أو مجبرا .

وبدأ يتعامل المنصور مع أعدائه بسياسة الخطوة خطوة يتخلص من أحدهم ثم يتفرغ للآخر .

كانت البداية بعمه عبدالله بن علي جبار بني العباس والي الشام والرجل الذي فعل الأفاعيل ببني أمية وقتلهم شر قتلة ولم يراع فيهم دينا ولا قرابة ولا أخلاقا،فكان الدم الأموي بكل أسف مستباحا بصورة يندي لها الجبين فلم يرقب فيهم العباسيون قرابة ولاعهدا.

دخل سديف الشاعر على أبي العباس السفاح وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه، فقال سديف:

لا يغرنك ما ترى من رجال .. إن تحت الضلوع داء دوياً

فضع السيف وارفع السوط حتى .. لا ترى فوق ظهرها أمويا

فقال سليمان: قتلتني يا شيخ! ودخل السفاح، وأخذ سليمان فقتل، ولم يبال السفاح بالأمان الذي أعطاه لسليمان!!!!

ودخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي جزار بني العباس وعنده من بني أمية نحو 90 رجلاً على الطعام، فأقبل عليه شبل فقال:

أصبح الملك ثابت الآساس ** بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم فشفوها ** بعد ميلٍ من الزمان وياس

لا تقيلن عبد شمسٍ عثاراً ** واقطعن كل رقبةٍ وغراس

أنزلوها بحيث أنزلها الله ** بدار الهوان والإتعاس

(البهاليل مفردها البهلول وهو الرجل كثير الضحك أو الجامع لخصال الخير )

وتناسي عبد الله الأمان فضربوا بالعمد حتى قتلوا، وبسط عليهم الأنطاع (السجاجيد) فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جيمعاً.

وتتبع عبد الله بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم، ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس، فقتلهم بنهر أبي فطرس، وكان فيمن قتل: محمد بن عبد الملك بن مروان، والغمر بن يزيد بن عبد الملك، وعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وسعيد بن عبد الملك، وقيل مات قبل ذلك، وأبو عبيدة بن الوليد بن عبد الملك .

واستصفى عبد الله كل شيء لهم من مال وغير ذلك؛ فلما فرغ منهم قال:

بني أمية قد أفنيت جمعكم

فكيف لي منكم بالأول الماضي

منيتم، لا أقال الله عثرتكم،

بليث غاب إلى الأعداء نهاض

إن كان غيظي منكم لفوتٍ فلقد

منيت منكم بما ربي به راض

وقيل إن سديفاً هو الذي أنشد هذا الشعر للسفاح وهو الذي قتلهم.

وكما ورد في تاريخ ابن الأثير ..لما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم وتشتت شملهم واختفى من قدر على الاختفاء وكان ممن اختفى عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان بن عتبة بن أبي سفيان. قال: وكنت لا آتي مكاناً إلا عرفت فيه، فضاقت على الأرض بما رحبت فقدمت على سليمان بن علي والي البصرة، وهو لا يعرفني، فقلت: لفظتني البلاد إليك، ودلني فضلك عليك، فإما قتلتني فاسترحت، وإما رددتني سالماً فأمنت. فقال: ومن أنت؟ فعرفته نفسي، فقال: مرحباً بك، ما حاجتك؟ فقال: إن الحرم اللواتي أنت أولى الناس بهن وأقربهم إليهن قد خفن لخوفنا ومن خاف خيف عليه، قال: فبكى كثيراً ثم قال: يحقن الله دمك ويوفر مالك ويحفظ حرمك .. ثم كتب إلى ابن اخيه أبي العباس السفاح:

يا أمير المؤمنين إنه قد وفد وافد من بني أمية علينا، وإنا قتلناهم على عقوقهم لا على أرحامهم، فإننا يجمعنا وإياهم عبد مناف والرحم تصان ولا تقتل وترفع ولا توضع، فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لي فليفعل، وإن فعل فليجعل كتاباً عاماً إلى البلدان نشكر الله تعالى على نعمه عندنا وإحسانه إلينا.. فأجابه إلى ما سأل.. فكان هذا أول أمان لبني أمية..لكن بعد أن سالت دماء كثيرة منهم دون ذنب سوي أنهم أصبحوا الطرف المهزوم المقهور.

ونتحدث في الحلقة المقبلة إن شاء الله عن الصراع الدامي بين أبي جعفر المنصور وعمه عبدالله بن علي.

 

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى