صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (31)
أبومسلم وعبدالله يتصارعان لصالح المنصور !!
لم يكد أبو جعفر المنصور يهنأ بتولي الخلافة حتي جاءته الأخبار سريعا بخروج عمه عبدالله ورفضه بيعة إبن اخيه وإصراره علي انه صاحب الحق في الخلافة، وكان أبو العباس السفاح قد طلب من عمه عبدالله تجهيز جيش للإغارة علي حدود الروم، وبعد أن تحرك الجيش، جاء خبر موت السفاح، فعاد عبدالله ليجهز نفسه للخلافة، هل هي الاستهانة بابن أخيه المنصور أم أنه الإحساس بالقوة والمنعة؟.
أيا كانت الأسباب فقد وضع إسحاق العقيلي رفيق المنصور في رحلة الحج السيناريو الأفضل لعبد الله لحسم الأمور لصالحه كما قلنا قبل ذلك، لكنه لم يفعل مما جعل الأرض تهتز تحت أقدامه ويصبح في موقف لا يحسد عليه.
كان عبدالله بن علي داهية جبارا متمرسا في الحروب معه جيش جرار ويسيطر علي الشام .. وكان عبدالله دمويا باطشا لا يرحم وذكرنا أفعاله الشنيعة مع الأمويين ومذابحه التي يندي لها الجبين.
الغريب والعجيب أن عبدالله بن علي هو حفيد عبدالله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه وعن أبيه العباس، فكيف لهذا الحبر الجليل الذي يرتقي بالأرواح أن يكون حفيده مستمتعا ومتلذذا بإزهاق الأرواح ؟!!!
نعود من جديد إلي أبي جعفر وموقفه من خروج عمه عبدالله .
هناك أكثر من رواية عن موقف المنصور عندما جاءته هذه الأخبار المزعجة، فقد كان عائدا من رحلة الحج ومعه في نفس الرحلة كما قلنا أبو مسلم الخراساني، والقائد الوفي للأمويين اسحاق العقيلي.
هناك رواية تقول إن أبا مسلم سبقه في الطريق وانتظر بضعة أيام حتي أرسل إليه تعزية بوفاة اخيه السفاح وتهنئة بالخلافة وأنه قال: حتي أري رأيي، أي أنه لم يحسم أمره، ورواية تقول إنه وجد الجزع ظاهرا علي المنصور متخوفا من عمه عبدالله فرفع أبو مسلم من معنوياته وقال له “أنا أكفيكه، فمعظم جيشه من الخراسانية وطاعتهم لي” .
ومن يتعمق في شخصية المنصور ويتابع الأحداث الجسام التي مرت به بعد ذلك من الممكن أن يشكك في موضوع الجزع الذي بدا عليه، لأنه كان شجاعا جريئا يستقبل المخاطر بقلب من حديد.
رواية ثالثة تقول إن أبا مسلم قال له: إختر واحدة من ثلاث، أن أضع ثيابي في منطقتي وأخدمك، أو أذهب لقتال عمك عبدالله أو أعود إلي خراسان، فأمدك بالرجال بعد الرجال، فاختار له ان يذهب لقتال عبدالله بن علي.
ورواية رابعة تقول إن المنصور قال له إن عمي عبد الله ليس له إلا انا أو أنت فقال له أبو مسلم بل انا أكفيكه، وهذه الرواية بالذات تناسب شخصية أبي جعفر الذي كان يحرص علي ضرب أعدائه بعضهم ببعض حتي يتخلص من بعضهم ثم يفرغ للباقين، فلو ظل أبو مسلم يقاتل أهل المشرق والمغرب دفاعا عن ملك أبي جعفر المنصور وسلطانه لن يغير نظرته تجاهه وأنه ألد أعدائه، لذلك قال المنصور بعد أن ذهب أبو مسلم لقتال عبدالله بن علي لا يعنيني أيهما قتل صاحبه، وربما كان يتمني المنصور هلاك أبي مسلم ولديه من القادة من يستطيع مجاراة عمه عبدالله بعد ذلك، لديه إبن اخيه عيسي بن موسي ولي عهده، وكان يسعي للتخلص منه أيضا ليمهد الطريق بعد ذلك لإبنه محمد المهدي، ولديه من خارج البيت العباسي قادة مشاهير أمثال خازم بن خزيمة والحسن وحميد إبني قحطبة وربما إسحاق العقيلي فارس الشام ورجلها القوي الذي تحدثنا عنه قبل ذلك.
كان المنصور شخصية رهيبة يشعر أنه يملك أسباب النصر .. لذلك فخسارة جولة لا تقلقه طالما أنها ستطيح بعدو من اعدائه، حتي لو كان هذا العدو هو قائد جيشه لأنه في النهاية عدو والمهم أن يتخلص منه.
والغريب والعجيب أن أعداء المنصور كانوا يحققون أهدافه وكأنهم من أخلص رجالاته وليسوا من ألد أعدائه، والأكثر غرابة أن أعداءه الشرسين مثل عمه عبدالله وأبي مسلم كانوا من الدهاة الجبابرة .. ولكنهم سقطوا في اختبار الدهاء والجبروت أمام خطط المنصور ومكره وخداعه.
فأي رجل كان هذا المنصور ؟ .. نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله