تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (32)

عبدالصمد مع أخيه عبدالله ضد أبي جعفر

عاد أبو جعفرالمنصور من رحلة الحج فوجد ابن أخيه وولي عهده عيسي بن موسي قد ضبط بيوت الأموال وحافظ عليها وأرسل الي الولاة في المشرق والمغرب لأخذ البيعة لعمه أبي جعفر، وهذا يثبت أن فراسة السفاح في ابن أخيه عيسي بن موسي لم تخب، فهذه السرعة في حسم الأمور أنقذت المنصور من موقف عصيب خاصة بعد خروج عمه عبدالله وانشقاقه عليه.

زحف أبومسلم الخراساني لملاقاة عبدالله بن علي الذي كان خروجه بمثابة شرخ مبكر في جدار الدولة العباسية الوليدة، فلم يكن قد مر علي ظهور دولتهم أكثر من 4 سنوات حتي جاءت هذه الخطوة التي هزت أركان البيت العباسي بلاشك.

وهنا يتبادر الي الذهن سؤال: ماذا كان موقف أعمام المنصور ؟ .. هل انحازوا لأخيهم عبدالله في هذا الصراع الدامي أم أنهم وقفوا في صف ابن أخيهم صاحب السلطة ؟.

الأعمام الكبار مثل عيسي وسليمان وصالح وإسماعيل تعاملوا بحكمة، وعرفوا أن هذه المواجهة خطر علي دولتهم الوليدة، ويبدو أيضا أنهم شعروا أن كفة المنصور هي الراجحة فرأوا أن الأفضل ألا يخسروه حتي لايقعوا بعد ذلك في مرمي غضبه وانتقامه.

أما العم الأصغر وهو عبدالصمد فيبدو أن حماسة الشباب جعلته يفضل مساندة أخيه عبدالله الذي أغراه بأن جعله ولي عهده، وربما ظن أن الفرصة باتت سانحة لكي يحصل جيل الأعمام علي نصيبهم من الخلافة.

كان عبد الصمد وقتها في الحادية والثلاثين من عمره وهي سن الجموح والطموح، وإذا جاء ذكر عبدالصمد بن علي يجب أن نتوقف عنده مثلما توقف عنده المؤرخون الذين اعتبروه أعجوبة بني العباس، لأن حياته بالفعل شهدت سلسلة من الأعاجيب.

كان بينه وبين أخيه الأكبر محمد والد السفاح والمنصور 50 عاما (محمد ولد عام 55 هجريا وعبدالصمد ولد عام 105 هجريا وبينه وبين أبيه 65 عاما ) وقد ولد بأسنان لبنية ملتصقة وظلت أسنانه علي هيئتها الأولي إلي أن مات وهو في الثمانين من عمره دون أن تسقط له سنة واحدة، وكان بينه وبين إبن عمه عبدالله بن الحارث بن نوفل96 سنة في الميلاد، عبدالله من مواليد 9 هجرية وجيء به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فحنكه (دلك حنكه ) ودعا له.

وقرابتهما لعبدالمطلب بن هاشم واحدة، فعبدالصمد هو عبدالصمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، وعبدالله هو عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب،يعني عبدالمطلب هو الجد الثالث لعبدالله وعبدالصمد.

ورأي عبد الصمد 5 أجيال من ذرية أبيه، ورأي حفيد حفيد حفيد أبيه وهو جعفر بن الفضل بن العباس بن عيسي بن موسي بن محمد بن علي.

وقال عبد الصمد يوما لهارون الرشيد: يا أمير المؤمنين هذا المجلس اجتمع فيه عم أمير المؤمنين، وعم عمه، وعم عم عمه، وكان في المجلس سليمان بن أبي جعفر عم الرشيد، والعباس بن محمد بن علي عم سليمان، وعبد الصمد بن علي عم العباس.

وتلخيص ذلك أن عبدالصمد عم عم عم الرشيد، لأنه عم جده أبي جعفر المنصور.

وهو في تعداد النسب نظير يزيد بن معاوية لأنهما من ذرية عبد مناف، فدرجة قرابتهما واحدة من عبد مناف والد الأمويين والعباسيين، والأعجوبة أن يزيد كان أميرا للحج عام 50 هجريا في خلافة أبيه معاوية رضي الله عنه، وكان عبد الصمد أميرا للحج عام 150 هجريا في عهد ابن أخيه أبي جعفر المنصور.

وهذا يعني أن إبني عم قاما بعمل واحد بفاصل زمني100 سنة، وللتأكيد علي أن القرابة واحدة هذا هو نسب الاثنين.

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

يعني عبد مناف هو الجد الخامس ليزيد.

وعبد الصمد هو عبد الصمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهذا يعني أيضا أن عبد مناف هو الجد الخامس لعبد الصمد!!

نترك أعاجيب عبدالصمد ونعود إليه وهو يحارب بقوة وشراسة واستماتة مع أخيه عبدالله ونلقي الضوء علي تفاصيل المواجهة الدموية بين الجبارين أبي مسلم الخراساني وعبدالله بن علي في الحلقة المقبلة إن شاء الله.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى