صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض والأثمان الباهظة (44)
موت المهدي ينقذ الهادي من الخلع
توقفنا في الحلقات الماضية عند الخليفة العباسي الثالث محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور وكان مرنا هينا لينا ليس في جبروت أبيه وهيبته، وكان قد جعل ولاية العهد في ولديه موسي الهادي وهارون الرشيد، ثم تغير المهدي علي إبنه الهادي وأراد أن يخلعه .
وهنا تظهر مشكلتنا مع المؤرخين القدامي لأنهم كانوا يمرون علي الأحداث مرور الكرام دون تمحيصها والبحث في أسبابها، ولو أجهدوا انفسهم قليلا لحلوا لنا ألغازا كثيرة مازالت تحيرنا حتي الآن منها هذا اللغز .
فما الذي جعل المهدي يتغير علي إبنه موسي الهادي ويفكر جديا في خلعه من ولاية العهد ؟
هل ارتكب موسي جرما ؟
هل أظهر عدم أهلية للخلافة؟
أم أن زوجة المهدي وحبيبته وهي الخيزران هي التي كانت ميالة إلي إبنها هارون أكثر من إبنها الأكبر موس
ي ولأن كلمتها كانت مسموعة، سار المهدي وراءها؟
وهل كان المهدي يريد تولية الرشيد أم ولد آخر من غير أولاد الخيزران؟
كان المهدى قد تزو
ج أميرتين عباسيتين، هما ريطة بنت عمه الخليفة أبي العباس السفاح التي تزوجها عام 144 هجريا في خلافة أبيه، وأنجب منها ولدين هما على وعبد الله، وتزوج عام 159 هجريا أم عبد الله بنت عمه صالح، وهو نفس العام الذى أعتق فيه جاريته الخيزران وتزوجها .. وقبل أن يعتقها ويتزوجها كان قد أنجب منها ولديه موسي وهارون .
وفى العام التالى 160 هجريا أخذ العهد لابنه موسي الهادى، وبعدها بست سنوات جعل هارون الرشيد وليا للعهد بعد أخيه الهادى .
ثم بلغ إبنه (على ب
ن المهدى) شهرة جعلت أباه يقوم بتصعيده وجعله عام 168 أميرا علي الحج، فهل كان تصعيده يمثل خطرا على أخويه من أبيه الهادى والرشيد وهما ابنا جارية (الخيزران) بعكس علي، فأمه ريطة بنت أول خليفة عباسي وهو أبو العباس السفاح ؟
ومن السهل أن يقع المهدى تحت ضغط من كبار البيت العباسي، كى يجعل ولاية العهد لابنه على الهاشمي العباسي أبا وأما) كما أن المهدي أيضا كان ضمن 3 خلفاء فقط في كل تاريخ الدولة العباسية من أبناء الحرائر وليس الجواري وهم المهدي وعمه أبو العباس السفاح وحفيده محمد الأمين بن هارون الرشيد .. ولانعرف علي وجه الدقة سن علي بن المهدي وقت تصعيده ليكون أميرا علي الحج، لكنه بكل تأكيد يصلح أيضا للترشح للخلافة طالما أنه أصبح أميرا للحج قبل ذلك .
كل هذه مجرد تساؤلات وعلامات استفهام غض الطرف عنها المؤرخون القدامي .. وهكذا أصبح الوضع شديد الغموض أمامنا ولا نعرف أين الحقيقة ولا حتي كيفية الوصول إليها بعد أن مات صناع الأحداث منذ أكثر من ألف عام.
مات المهدي فجأة وهو في عنفوان الرجولة، كان في الثالثة والأربعين من عمره، وهي نفس السن تقريبا التي مات فيها الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك.
و تعددت الروايات أيضا بشأن موت المهدي، رواية تقول إنه كان في رحلة صيد يطارد ظبيا ودخل الظبي خرابة فدخل المهدي وراءه فسقط من علي فرسه واصطدم بباب حديد فمات.
رواية أخري تقول إنه مات مسموما باللبن من إحدي جواريه وأنها لم تكن تقصده هو وإنما تقصد جارية أخري تنافسها علي قلب الخليفة.
رواية ثالثة تغير اللبن المسموم إلي كمثري لنفس الجارية التي أهدت الجارية الأخري طبقا به كمثري ووضعت في مقدمة الطبق كمثري كبيرة مسمومة لتتخلص منها، فمر الطبق علي المهدي وكان يحب الكمثري فاختار الكمثري الكبيرة المسمومة ومات منها.
ورواية تقول إنه مات بالحمي.
أين الحقيقة في كل هذه الروايات؟ الله أعلم .
كان المهدي وقتها في ماسباذان (غرب إيران) وفشلت محاولاته في إستدعاء ابنه موسي الهادي من جرجان (شمال إيران) ليخلعه من ولاية العهد.
من الواضح أن الهادي أدرك أن هناك شيئا يدبر له فدافع الأيام علي أمل أن تنجيه مما يدبر له.
ثم عاجل الموت المهدي قبل أن يطيح بإبنه موسي الهادي، ورغم غياب موسي عن العراق لحظة موت أبيه إلا أن هارون الرشيد أسرع في إتمام البيعة لأخيه الشقيق.
فماذا فعل الهادي بعد أن تولي الخلافة ؟ وهل قدر صنيع أخيه الرشيد ودوره المهم والحاسم في إتمام البيعة له؟
نجيب عن ذلك في الحلقة المقبلة إن شاء الله