تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (46)

الهادي يسابق الزمن لخلع الرشيد

لم يشذ موسي الهادي عن قاعدة من سبقوه في حب الولد وتقديمه علي أخيه وكل ذوي قرباه، لكن الغريب والعجيب حقا أن الهادي كان متعجلا في نقل ولاية العهد من أخيه الشقيق هارون الرشيد إلي ابنه جعفر الذي لم يكن قد تجاوز الثامنة من عمره، وإنه أمر يدعو للدهشة والحيرة أن ملكا في عز شبابه وسلطانه وهو الهادي يشغل نفسه بولاية العهد، وابنه ما زال طفلا صغيرا لا يعرف شيئا عن أمور دينه ودنياه، ولكنه الملك والسلطان اللذان يلعبان بالرؤوس بل والعقول أيضا !.

وكما يقول ابن الأثير في تاريخه: سعي الهادي مبكرا لخلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر، وذكر ذلك الأمر لقواده الكبار فأجابه إليه يزيد بن مزيد الشيباني، وعبد الله بن مالك، وعلي بن عيسى وغيرهم، فخلعوا هارون، وبايعوا لجعفر، وكان ولي العهد يسير ومعه حراس يحملون حربة بين أيديهم، فأمر الهادي أن لا يسار بين يدي هارون بالحربة، فاجتنبه الناس، وتركوا السلام عليه.

(رواية ابن الأثير تكشف لنا شيئا مهما هو أن صانع القرار يستطيع أن يحرك الناس والقادة أيضا وفقا لأهوائه ومطامعه، فهذا هارون الرشيد الذي كان واحدا من أعظم خلفاء بني العباس وأفضل ملوك الدنيا في زمنه بلامنازع، هذا الرجل وصل به الهوان في عهد أخيه الهادي إلي أن يتجنبه الناس ولا يلقون عليه السلام!!!).

لكن هارون الرشيد كان محظوظا برجل داهية محنك خبير مجرب أنقذه من خلع مؤكد بالمناورات والمحايلات، ودفع الأيام ولعب علي كل الأوتار وكان له قدرة علي الإقناع حتي في أحلك الظروف واللحظات، كما كان يتفلت من ضغوط الهادي الرهيبة كما يتفلت الماء من بين الأصابع .. هذا الرجل هو يحيي بن خالد البرمكي صانع مجد البرامكة.

وطالما أن سيرة البرامكة قد جاءت فيجب أن نعرف بدايتهم وحكايتهم مع بني العباس.

كان خالد البرمكي والد يحيي من الشيعة العباسية بخراسان ومن قادة أبي مسلم الخراساني وأظهر بسالة وبراعة في الحروب ضد دولة بني أمية، وكان خالد كريما يقظا مهيبا حازما، وبعد مقتل أبي سلمة الخلال أول وزير للعباسيين لشكهم في ولائه لهم وميله إلي العلويين أسند أبو العباس السفاح الوزارة لخالد البرمكي دون أن يلقب بالوزير ربما شؤما أو خوفا من أن يكون مصيره كمصير أبي سلمة الخلال.

وأظهر خالد حنكة وبراعة وكان قادرا دائما علي استمالة القلوب بكرمه وحسن حديثه وحبه للمسالمة، ثم ولاه المنصور الولايات وأظهر حزما وحسن إدارة فزادت منزلته عند المنصور ومات عام 163 هجريا عن 75 سنة.

وكان يحيى بن خالد البرمكي مثل أبيه في الحزم وحسن التدبير وسداد الرأي لذلك قربه الخليفة المهدي اليه وجعله مربيا لولده هارون الرشيد، وكان الرشيد في سن الفضل بن يحيي وأرضعته الخيزران أم الرشيد، فأصبح الفضل أخا للرشيد من الرضاعة، ما جعل منزلة البرامكة تتعاظم داخل البيت العباسي.

وظل الرشيد في كنف يحيي البرمكي حتي وفاة المهدي وكان يناديه «يا أبي» لأنه تربي عنده وفي حجره، واستمر هارون الرشيد في كنف يحيي بن خالد البرمكي في خلافة موسي الهادي، لذلك لعب أعظم دور في إنقاذ الرشيد من قبضة أخيه.

الذي كان علي موعد هو وأسرته مع المجد والتاريخ والشهرة المدوية بعد ذلك في دولة الرشيد، ثم جاءت النهاية الأليمة التي سنتحدث عنها في حينها.

فما هو الدور الذي لعبه يحيي بن خالد في حماية الرشيد؟

وكيف نجا من قبضة الهادي الذي كان يسيطر علي الأمور بيد من حديد ؟

نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله .

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى