صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (6)
مروان يقدم ولديه علي خالد وعمرو
أصبح مروان بن الحكم يقف علي أرضة صلبة في صراعه مع ابن الزبير بعد أن خضع الشام كله ومصر لسلطانه، فبعث جيشا مع عبيد الله بن زياد إلى الجزيرة،(كانت إقليما يمتد عبر شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق وجنوب شرق تركيا)، وأمره بأنه إذا فرغ منها، سار إلى العراق.
كما أرسل جيشا يقوده حُبَيش بن دلجة إلى المدينة وكان واليها جابر بن الأسود لعبد اللّه بن الزبير، فهرب جابر، وكان حبيش جلفا من أجلاف أهل الشام صعد علي منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وأكل ،وهو أول أمير يفعل ذلك، وقال: أعلم أن المنبر ليس موضع طعام ولكنني أردت أن أذل أهل المدينة لعصيانهم لأمير المؤمنين (يعني مروان بن الحكم ) فلما علم ابن الزبير طلب من الحارث بن أبي ربيعة واليه علي البصرة ان يرسل جيشَاً للقاء حبيش، وبعث ابن الزبير عباس بن سهل أميراً على المدينة وطلب منه أن يسير في طلب حبيش حتى يوافي عسكر البصرة، وجاء سهم لحبيش فقتله واستراح الناس منه سريعا وتشتت جيشه واعتصم من عسكره بالمدينة 500 فارس، فقتلهم عباس جميعا، وكان مع حبيش الحجاج ووالده يوسف بن الحكم على جمل واحد هربا عليه.
فشلت حملة مروان إلي المدينة كما تعطل ابن زياد عاما كاملا بسبب ثورة التوابين التي خرجت من الكوفة ثأرا للحسين وآل البيت الاطهار يقودها شيخ جليل تجاوز التسعين من عمره هو سليمان بن صرد الخزاعي.
وظهر حب الولد من جديد وهي الآفة التي تحدثنا عنها في بداية هذه الحلقات، ولم يشذ مروان عن هذه القاعدة، ويبدو أن الرجل بعد أن غاص في الدماء قرر أن يضرب عرض الحائط بقرارات مؤتمر الجابية، فلن يغوص مروان في الدماء من أجل أبناء العمومة وإنما من أجل أبنائه، لكن كيف السبيل إلي خلع خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد وقد ساعداه في كل خطواته السابقة ؟.
الإجابة سهلة لأن من يملك السلطة يستطيع شراء الولاءات وتغييرها، فاستمال مروان زعماء الشام الذين حضروا مؤتمر الجابية، وتزوج أم خالد بن يزيد (هي أم هاشم بنت أبي ه
اشم بن عتبة بن ربيعة)، ثم جعل ولاية العهد في ولديه الكبيرين عبد الملك وعبد العزيز (كان لمروان 10 أبناء ) ولجأ مروان الي حيلة يقلل بها من شأن خالد بن يزيد في عيون زعماء الشام، فكان يسخر منه في مجالسه، وقال له جملة سيئة ينال بها من أمه رغم أنها أصبحت زوجته، وكان هدف مروان ان يقطع علي خالد أي أمل في استعادة ملك أبيه يزيد وجده معاوية، وشكا خالد لأمه مايفعله زوجها معه.
فهل انتقمت لابنها من زوجها الذي أهانه وحرمه من ولاية العهد؟
رواية تقول إنها
دست له السم في لبن، وأخري تقول إنها وضعت وسادة (مخدة ) علي رأسه وهو نائم، وأجلست إحدي جواريها علي رأسه حتي مات.
(الغريب أننا نجد روايات متضاربة ومختلفة عند الحديث عن موت معظم الخلفاء والملوك).
لكن إقدام إمرأة علي قتل زوجها الخليفة ليس أمرا سهلا خاصة في صدر الإسلام لأن العاطفة الدينية كانت في قوتها بالنسبة للنساء علي الأقل، فلا شأن لهن في سفك الرجال للدماء علي الملك والسلطان.
وهناك رواية أخري تقول إن مروان مات بالطاعون، فقد بذل جهودا مضنية في الشهور التي قضاها في السلطة، ولم يكن شابا ليتحمل جسده هذه الجهود والضغوط والحروب والتنقل من الشام إلي مصر ثم العودة، فقد كان شيخا علي مشارف الخامسة والستين من عمره، ونعتقد أن موته بالطاعون هو الأرجح، فلو كانت أم خالد هي قاتلة مروان لانتقم ابنه عبد الملك منها ومن آل بيتها ومن البيت السفياني نفسه، لكن ذلك لم يحدث، فقد تزوج عبد الملك من عاتكة بنت يزيد بن معاوية أخت خالد، وكانت من أحب نسائه إليه، وهي أم ولده يزيد الذي تولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
عموما لم تدم خلافة مروان بن الحكم أكثر من 9 شهور، لكنها كانت كافية لتمهد الطريق لتوطيد دعائم الدولة الأموية من جديد .. لكن هذه المرة في الفرع المرواني الذي ظلت فيه الخلافة إلي أن سقطت علي يد العباسيين.
وترك مروان لابنه عبد الملك دولة قوية تضم الشام ومصر، وكان عبد الملك علي مستوي الأحداث الجسام التي كانت تنتظره ،نتعرف علي تفاصيلها في الحلقة المقبلة إن شاء الله .