تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: انتصار جيش المأمون .. مقتل علي بن عيسى

قلنا إن القوة علي الأرض كانت توحي بأن حظوظ علي بن عيسي الأعلي وموقفه الأفضل .. وليس أدل علي ذلك من أن المأمون عندما أراد ان يبعث قائدا لمواجهة علي بن عيسي قبل أن يستقر علي طاهر بن الحسين، كان قواد المأمون يتعللون بالعلل ويختلقون الأعذار والمبررات خوفا من مواجهة علي بن عيسي .. وربما كانوا يعتقدون أنها مواجهة خاسرة ولا أمل لهم في النصر علي ابن عيسي .

وهذا كله يحسب لطاهر بن الحسين الذي كان رابط الجأش غير متهيب لذلك الموقف العصيب الذي خاف من الوقوع فيه بعض قواد المأمون.

وكان أصحاب طاهر بن الحسين قد أشاروا عليه قبل مواجهة علي بن عيسي مثلما جاء في تاريخ الطبري أن يقيم بمدينة الري، ويدافع القتال ما قدر عليه إلى أن يأتيه من خراسان المدد من الخيل وقائد يتولى الأمر دونه، وقالوا إن مقامك بمدينة الري أرفق بأصحابك وأقدر لهم على الميرة (الطعام ) وأكن من البرد، وأجدر إن دهمك قتال أن يعتصموا بالبيوت وتقوى على المماطلة والمطاولة إلى أن يأتيك مدد .

الرأي وجيه ومنطقي خاصة أن جيش طاهر هو الأصغر والأضعف، ولكن ماذا كان رد طاهر علي كلام أصحابه ؟

قال: إن الرأي ليس ما رأيتم، إن أهل مدينة الري لعلي بن عيسي هائبون ومن سطوته متقون، ومعه من قد بلغكم من أعراب البوادي وصعاليك الجبال ولفيف القرى ولست آمن إن هجم علينا مدينة «الري» أن يدعو أهلها خوفهم إلى الوثوب بنا ومعاونة عليّ علينا، والرأي عندي أن تصير مدينة الري في قفا ظهورنا فإن أعطانا الله الظفر وإلا عولنا عليها وتحصنا في منعتها إلى أن يأتينا مددا أو قوة من خراسان.

كان رأي طاهر أكثر صوابا حتي لا يكون أهل مدينة الري خنجرا في ظهورهم إذا كان الظفر لجيش علي بن عيسي .

ونزل طاهر وجيشه بقرية اسمها كلواص تبعد عن مدينة الري بحوالي 20 كيلو متراً، وحدث ما توقعه طاهر، فمن فرط خوف أهل الري من جيش علي بن عيسي أغلقوا ابواب المدينة في وجه طاهر وجيشه ونادى طاهر في جنده: يا أولياء الله اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلفكم فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق.

والتحم الجيشان وكانت الغلبة في البداية كما قلنا لجيش علي، فلم ينكسر طاهر وقال لرجاله اجعلوا بأسكم وجدكم على كراديس القلب فإنكم لو فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها على أواخرها، فصبر أصحابه صبرا صادقا ثم حملوا على أوائل رايات القلب فهزموهم وأكثروا فيهم القتل وانتقضت ميمنة علي ورأى أصحاب ميمنة طاهر وميسرته ما عمل أصحابه فرجعوا إلى من كان في وجوههم من جيش علي فهزموهم وانتهت الهزيمة إلى علي بن عيسي> فنادي: أين أصحاب الأسورة والأكاليل أين الكرة بعد الفرة فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله ووضعوا فيهم السيوف يقتلونهم ويأسرونهم حتى حال الليل بينهم وبين الطلب وغنموا غنائم كثيرة ونادى طاهر في أصحاب علي: من وضع سلاحه فهو آمن.

فطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابهم ورجع طاهر إلى مدينة الري وبعث بالأسرى والرؤوس إلى المأمون.

دفع علي بن عيسي ثمن غروره وكبريائه وعدم تقديره لعدوه ومهارته الحربية .. فخسر المعركة وخسر حياته أيضا، وفر ابنه يحيي الذي نصح أباه نصيحة غالية لم يلتفت إليها وجرح ابنه الآخر عبد الله جراحات بالغة، ولولا أنه رمي بنفسه وسط القتلي لقتله رجال طاهر لكنهم تركوه ظنا منهم أنه قتيل، وظل لبعض الوقت حتي تماثل للشفاء وعاد مع بعض فلول جيش أبيه إلي بغداد.

بعض المعارك ليست حاسمة لكنها كافية في وقتها لفتح الطريق إلي النصر حتي لو تأخر بعد ذلك لسنوات، وهذه المعركة تذكرنا بمعركة مرج راهط في الشام وكانت عام 64 هجريا بين جيش مروان بن الحكم بقيادة عبيد الله بن زياد، وجيش عبد الله بن الزبير بقيادة الضحاك بن قيس، وكان مروان هو الطرف الأضعف في صراع السلطة وقتها، في حين كان ابن الزبير الأقوي لأنه معه معظم ولايات الدولة الاسلامية، وجزء كبير من الشام ولم يكن مع مروان سوي الأردن فقط .. ونجح في السيطرة علي دمشق قبيل نشوب معركته مع الضحاك بأيام قلائل.

وبعد انتصار مروان في مرج راهط سيطر علي الشام كله وتمكن من السيطرة أيضا علي مصر، ليقف علي أرض صلبة، مكنت ابنه عبد الملك من القضاء علي ابن الزبير ودولته بعد 8 سنوات من موقعة مرج راهط.

وكانت معركة الري للمأمون مثل معركة مرج راهط لمروان بن الحكم، فبعد أن كان المأمون الطرف الضعيف الذي يحاول استماله أخيه ودفع شره عنه بشتي الطرق، أصبح الطرف القوي الذي لن ينهزم بسهولة بل إنه قادر علي قلب الموازين لمصلحته علي المدي الطويل.

اكتست خراسان بالأفراح بعد أن وصل خبر انتصار جيش طاهر ومقتل علي بن عيسي، وخلع المأمون أخاه الأمين وبايع لنفسه بالخلافة في أرجاء خراسان، وبعد أن كان يقال له الإمام أو الأمير، أصبح يقال له أمير المؤمنين.

أما بغداد فقد ارتجت لهزيمة جيشها الكبير ومقتل قائده علي بن عيسي، ووقع الخبر كالصاعقة علي رأس الأمين، فماذا فعل، ومن هم القواد الذين استنجد بهم علي أمل أن ينقذوه من دهاء ومكر الفضل بن سهل، ومهارة طاهر بن الحسين الحربية ؟

نجيب في الحلقات المقبلة إن شاء الله

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى