تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: خطة شيطانية لاخضاع المأمون

إنزعج الأمين بشدة من قائده أسد بن مزيد بعد أن أبدي رغبته في استخدام ولدي المأمون الموجودين في بغداد كأسيرين للضغط علي أبيهما، فقال أسد بن يزيد للأمين: ادفع إلي ولدي عبد الله المأمون حتى يكونا أسيرين في يدي، فإن أعطاني الطاعة، وألقى إلي بيده، وإلا عملت فيهما بحكمي، وأنفذت فيهما أمري، فقال: أنت أعرابي مجنون، أدعوك إلى ولاية أعنة العرب والعجم، وأطعمك خراج كور الجبال إلى خراسان، وأرفع منزلتك عن نظرائك من أبناء القواد والملوك، وتدعونني إلى قتل ولدي، وسفك دماء أهل بيتي! إن هذا للخرق والتخليط .

ثم امر بوضع أسد في السجن .

عجيب وغريب أمر الأمين، يتسبب في سفك دماء الآلاف من المسلمين في حربه مع أخيه، ثم يتخوف علي ابني أخيه ويرفض المساس بهما رغم أنهما كانا فرصة جيدة للضغط علي أخيه المأمون، فهل سفك دماء الرعايا حلال ولا شيء فيه، أما سفك دماء أمراء البيت العباسي وذوي قرباه فهو أمر جلل لا يمكن ان يخوض فيه؟!! .

وهل خاف الأمين علي ابني أخيه حقا ؟ أم خاف علي صورته أمام جيش طاهر عندما يظهر الأمين بهذا المظهر الدموي الذي لا يرحم طفلين صغيرين من لحمه ودمه، ويعرضهما للذبح وهما لا ذنب لهما في هذا الصراع الملتهب بين أبيهما المأمون وعمهما الأمين؟.

ولماذا لم يحافظ الأمين علي كل الدماء المسلمة التي أريقت وكلها كانت من رعاياه وستسأله أمام الله يوم القيامة ما ذنبنا يارب في صراعه مع أخيه وما ذنبنا في نكثه لوعده وعهده لأبيه وأخيه ؟

نعود إلي القائد أسد بن مزيد الذي تعامل مع الموقف برمته كرجل حرب يري أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن ولدي المأمون لا ذنب لهما في هذا الصراع الدموي لكن عندما يراهما المأمون لا شك أن الأبوة ستحركه وقد يقبل التنازل عن ولاية العهد حفاظا علي حياة ولديه.

لكن هل كانت هذه الوسيلة كافية لتحقيق النصر علي المأمون وجعله يستسلم لشروط ومطالب أسد بن مزيد ؟

الله وحده يعلم ماذا كان سيفعل  المأمون وقتها إذا تم استخدام هذا السلاح القذر ضده .

لكن ربما كان يزداد عنادا وإصرارا ولسان حاله يقول: طالما أن أخي ارتضي أن يستخدم لحمه ودمه في هذا الصراع فهو مجرم أثيم لا يستحق المهادنة، وأن ولدي ليسا أغلي من الدماء التي سفكت من أجل حقي ومن أجل الوفاء بعهد أبينا الرشيد.

وكان ببغداد ابنان لعبد الله المأمون، وهما أكبر أبنائه، وكانا مع أمهما أم عيسى ابنة موسى الهادي عم المأمون، وكانت أسرة المأمون تعيش في قصره ببغداد، فلما ظفر طاهر ببغداد خرج الولدان مع أمهما إلى خراسان ليجتمع شمل الأسرة وتلتقي الزوجة والأولاد بالمأمون، فلم يزالوا بها حتى قدموا بغداد.

ما زلنا مع عمدة المؤرخين محمد بن جرير الطبري رحمه الله فهو أكثر المؤرخين استفاضة في وصف حرب الأمين والمأمون.

وجاء في تاريخه أن الأمين بعد أن غضب علي قائده أسد بن مزيد وسجنه قال: هل في أهل بيت هذا من يقوم مقامه، فإنى أكره أن أفسدهم علي مع سابقتهم وما تقدم من طاعتهم ونصيحتهم؟ قالوا: نعم، فيهم أحمد بْن مزيد، عم أسد بن يزيد، وهو أحسنهم طريقة، وأصحهم نية في الطاعة، وله مع هذا بأس ونجدة وبصر بسياسة الجنود ولقاء الحروب، فأنفذ إليه محمد بريدا يأمره بالقدوم عليه، و لما دخل أحمد بغداد، بدأ بالفضل بْن الربيع، ليستعين بمنزلته ومحضره عند محمد الأمين، فلما أذن له الفضل، وجد عنده عبد الله بْن حميد بْن قحطبة، وهو يرتب معه للاستعداد لمواجهة طاهر بن الحسين، وعبد الله يشتط عليه في طلب المال والإكثار من الرجال.

وإذا جاء ذكر عبد الله بن حميد فيجب أن نتوقف عنده لأنه من أسرة عريقة في تقديم أجل الخدمات للدولة العباسية، فجده قحطبة بن شبيب الطائي قائد الجيش الذي أرسه أبو مسلم الخراساني لانتزاع العراق من براثن الدولة الأموية، وحقق قحطبة انتصارات لافتة لكنه قتل في إحدي المعارك مع الأمويين، ثم حمل الراية من بعده في خدمة خلفاء بني العباس ولداه حميد والحسن، وعلي نفس المنوال سار عبد الله بن حميد بن قحطبة الذي كان موجودا عند الفضل بن الربيع لحظة دخول أحمد بن مزيد الشيباني عليه.

يقول أحمد: لما رآني الفضل رحب بي ثم قال لي: لقد جري ذكرك عند أمير المؤمنين، فوصفتك له بحسن الطاعة وفضل النصيحة والشدة على أهل المعصية، فأحب أن يرفعك إلى منزلة لم يبلغها أحد من أهل بيتك ثم دخلا علي الأمين الذي قال لأحمد: إنه قد كثر علي تخليط ابن أخيك أسد، وطال خلافه علي حتى أوحشني ذلك منه، وولد في قلبي التهمة له، وصيرني لسوء المذهب وخبث الطاعة إلى تأديبه وحبسه بما لم أحب أن أفعله به، وقد وصفت لي بخير، ونسبت إلي جميل، فأحببت أن أرفع قدرك، وأعلي منزلتك، وأقدمك على أهل بيتك، وأن أوليك جهاد هذه الفئة الباغية الناكثة، وأعرضك للأجر والثواب في قتالهم فصحح نيتك، وأعن أمير المؤمنين على اصطناعك، وسر إلي عدوه ينعم سرورك وتشريفك.

(من المخجل أن يقول الأمين علي جيش المأمون إنه الفئة الباغية الناكثة ، والحقيقة علي أرض الواقع تقول إن الأمين هو الذي بغي ونكث ولم يف بوعده لأخيه).

نعود إلي أحمد بن مزيد الذي قال للأمين: سأبذل في طاعة أمير المؤمنين أعزه الله مهجتي، وأبلغ في جهاد عدوه أفضل ما أمله عندي، إن شاء الله.

فقال الأمين: يا فضل، قَالَ: لبيك يا أمير المؤمنين قَالَ: ادفع إليه دفاتر أصحاب أسد، واضمم إليه من شهد العسكر من رجال الجزيرة والأعراب، ثم أوصي الأمين قائده أحمد بن مزيد بعدة أمور، فماذا كانت وصية الأمين لفارس بني شيبان ؟

وماذا حدث بعد ذلك ؟

نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى