تحقيقات وتقاريرعام

صلاح رشاد .. يكتب: سلاح طاهر بن الحسين .. في مواجهة ابن ماهان

اقتربت لحظة المواجهة الدامية بين جيشين غير متكافئين الأول يقوده المتكبر المغرور علي بن عيسي بن ماهان، والثاني يقوده الداهية الخبير المحنك طاهر بن الحسين، وكان عسكر طاهر على بعد خمسة فراسخ من الرّيِّ، (الفرسخ من 4 إلي 6 كيلو متر، والري مدينة جنوب شرق العاصمة الإيرانية طهران).

وأقبل محمد بن العلاء وكان أحد رجالات طاهر، فقال له: أيها الأمير، إن جندك قد هابوا هذا الجيش، وامتلأت قلوبهم خوفًا ورعبًا منه، فلو أقمت بمكانك، ودافعت القتال إلى أن يألفهم أصحابُك، ويأنسوا بهم، ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم.

فقال طاهر: لا، إن أصحابي قليل، والقوم عظيم سوادهم، كثير عددهم، فإن دافعت القتال، وأخَّرت المناجزة، لم آمَنْ أن يطَّلعوا على قلَّتنا وعورتنا، وأن يستميلوا من معي برغبة أو رهبة، فينفر عني أكثر أصحابي، ويخذُلني أهل الحفاظ والصبر، ولكن أُلْفّ الرجال بالرجال، وأُلْحِم الخيل بالخيل، وأعتمد على الطاعة والوفاء، وأصبر صبر محتسب للخير، حريص على الفوز بفضل الشهادة، فإن يرزق الله الظفر ، فذلك الذي نريد ونرجو، وإن تكن الأخرى فلست أول من قاتل فقتل، وما عند الله أجزل وأفضل.

كانت هناك جملة حكيمة لنابليون أحد عباقرة الحروب في أوروبا علي مر العصور كان يقول ” لايوجد جندي فاشل ولكن يوجد قائد فاشل “.

وقد أصاب نابليون كبد الحقيقة لأن الجندي ينفذ تعليمات قائده، فإذا كانت صائبة أدركوا جميعا النصر والنجاح، وإذا كانت فاشلة ضاع كل شيء.

وإذا طبقنا جملة نابليون علي المعركة بين علي بن عيسي وطاهر بن الحسين، نجد أن عليا كان قائدا فاشلا بامتياز، وطاهر كان ناجحا أيضا بامتياز، لأن عليا ضرب بكل مقومات النصر عرض الحائط واستهتر بخصمه أشد استهتار مغترا بجيشه الكبير، في حين أخذ طاهر بكل عوامل الحيطة والحذر فلم تغب عنه شاردة ولا واردة في جيشه الصغير وكان يدرك حساسية موقفه، وكان حريصا أشد الحرص علي استغلال كل أخطاء «علي» صغيرها وكبيرها من أجل أن يحقق نصرا، كان يعتبره الكثيرون في ذلك الزمان صعبا جدا إن لم يكن مستحيلا بمقاييس القوة بين الجيشين.

وكتَّب طاهر بن الحسين كتائبه، وكرْدَسَ كراديسه، (الكردوس كتيبة صغيرة في الجيش يترواح عدها من 600 إلي ألف جندي) وسوى صفوفه، وجعل يمر بقائد قائد، وجماعة جماعة، فيقول:

“يا أولياء الله، وأهل الوفاء والشكر، إنكم لستم كهؤلاء الذين ترون من أهل النَّكْث والغدر، إن هؤلاء ضيَّعوا ما حفظتم، وصغَّروا ما عظمتم، ونكثوا الأيمان التي رَعَيتم، وإنما يطلبون الباطل، ويقاتلون على الغدر والجهل، أصحاب سلب ونهب، فلو قد غَضَضْتم الأبصار، وأثْبَتُّم الأقدام، قد أنجز الله وعده، وفتح عليكم أبواب عزِّه ونصره، فجالِدُوا طواغيت الفتنة، ودافعوا بحقكم باطِلَهم، فإنما هي ساعة واحدة، حتى يحكم الله بينكم وهو خير الحاكمين”..

هذه خطبة قائد محنك يسعي بذكاء لرفع معنويات جنده، وحثهم علي أن يقاتلوا باستماتة لأنهم أهل حق أما خصومهم فهم أهل غدر وبغي.

أما القائد الآخر المغرور علي بن عيسي فقد كان كل همه أن يثبت لقواده وجنوده أنهم في نزهة، وأن مواجهة طاهر بن الحسين لا تستدعي حيطة وحذراً، لأن النصر مضمون والغنائم قادمة في الطريق !!

ونشِب القتال بين الفريقين، ودارت الدائرة في البداية علي جيش طاهر فانهزمت ميسرته وتضعضع جيشه الصغير، فالكثرة يكون لها الكلمة العليا في بداية المعركة، لكن من يقدر علي الصمود وامتصاص صدمة البداية يحقق النصر في النهاية.

هذه المعركة شبيهة في أحداثها وتقلباتها بمعركة «الخازر» بين جيش الكوفة بقيادة إبراهيم بن الأشتر وجيش الشام بقيادة عبيد الله بن زياد، وكان جيش الشام أضعاف أضعاف جيش الكوفة وانتصر في البداية لكن ثبت ابن الأشتر ثباتا عجيبا وطلب من رجاله أن ينقضوا جميعا علي قلب الجيش الذي فيه قائد الشام عبيد الله بن زياد الذي قتل شر قتلة وانهزم الشاميون هزيمة منكرة وقتل منهم الآلاف علي رأسهم قادة الجيش الكبار عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع وقطعت رؤوسهم.

وكأن التاريخ يعيد نفسه في معركة الري بين جيش الأمين بقيادة علي بن عيسي وجيش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين، فكانت الغلبة في البداية لجيش علي، لكن صمد طاهر ولم يستسلم لهذا الموقف العصيب بل طلب من رجاله أن يركزوا علي القلب الذي فيه قائد الجيش علي بن عيسي الذي أصابه سهم قاتل قلب موازين المعركة.

فماذا حدث بعد ذلك ؟

هذا حديث الحلقة المقبلة إن شاء الله

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى