أصبحنا على بُعد أيام معدودة من قدوم أفضل أيام الله وأفضل الشهور ألا وهو شهر رمضان الكريم، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وفى مثل هذه الأيام من كل عام يزداذ الإشتياق لقدوم الصيام والقيام و والنفحات الربانية وتنشرح القلوب وتصفو النفوس ونبدأ بشراء الزينة وفوانيس رمضان لإدخال الفرحة على أطفالنا وإشعارهم بقدوم شهر القرآن والرحمة.
ولكن يأتى علينا رمضان هذا العام ولكنه ليس كأى رمضان، يأتى شهر الصيام ونحن نعيش أسوأ الأيام، قلوبنا محطمة وضمائرنا تؤلمنا ليل نهار، وحالة العجز وقلة الحيلة تشعرنا بالخزى والعار، ونحن جميعا نشاهد ونرى ونسمع على مدار الساعات منذ ما يقترب من خمسة أشهر ما يحدث من أهوال وإبادة جماعية لأهلنا فى غزة، فى أكبر جريمة تاريخية لأكثر من ٢ مليون مواطن يعيشون فى أسوأ حياة إنسانية لم تشهدها أحلك وأسود فترات التاريخ ولم يقم بها أسوأ محتل من قبل.
عفوا صغيرتى .. كيف أشترى لكى فانوساً وأطفال غزة يقتلون وتهدم منازلهم فوق رؤسهم، عفوا صغيرتى كيف نعلق الزينات وأطفال غزة فى مثل سنك يموتون حرفيا من الجوع والعطش ولا يجدون مستشفى لعلاجهم.
عفوا صغيرتى كيف نحتفل و أشترى لكي الفانوس وأطفال غزة عرايا بلا كسوة، يعيشون فى برد قارص بلا مأوى وتتساقط عليهم أمطار الشتاء ورياحها التى لم ترحم طفولتهم وبراءتهم واقتلعت خيامهم البلاستيكية الهزيلة.
عفوا صغيرتى كيف نحتفل بقدوم رمضان والعالم كله تواطأ ضد غزة وأطفالها سواء بإمداد الكيان الصهيوني المحتل بالسلاح الفتاك ليفتك بأجسادهم الضعيفة، أو إستخدام حق الفيتو لمنع صدور قرار بمجلس الأمن بإيقاف الحرب مثلما يفعل الشيطان الأمريكى القاتل الحقيقى، أو بالمساندة العلنية مثل الدول الغربية، أو بالصمت المشين المهين المخزى المذل للدول الإسلامية والعربية.
عفوا صغيرتى .. كيف نعلق زينة رمضان ونلهو ونلعب سويا مثل كل عام ونحن نشاهد على الهواء طوابير الأطفال الطويلة يقفون لعدة ساعات للحصول على طبق من الأرز فقط ليسدوا به جوعَهم ويسندوا به بطونهم الخاوية طوال الليل والنهار.
عفوا صغيرتى .. لن نحتفل هذا العام رغم شوقنا لقدوم رمضان وهو أعظم الأيام، فى ظل وجودنا فى هذا العالم البغيض الكريه الذى ماتت فية كل معانى وقيم الإنسانية وأصبحت الضمائر كالعدم، عالم يشاهد ويسمع ويرى جريمة العصر، إبادة جماعية، حصار، تجويع، إنتهاك لكل ما يتعلق بحق الإنسان فى الحياة، ويكتفى بالكلام، ضجيج بلا طحين.
عفوا يا صغيرتى .. لن أشترى لك الفانوس وزينة كل عام فأنا لست أنا، وأنت لستِ أنتِ مثل كل عام ولن نستطيع الإحتفال، و هذا هو أقل القليل الذى يمكن أن نفعله فى ظل قلة حيلتنا والشعور بتأنيب الضمير الذى يلازمنا ليل نهار.
عفوا صغيرتي .. كم هو مؤلم لى ألا أحقق لك فرحتك السنوية بتعليق الزينة وشراء الفانوس ونحن مقبلون على الشهر الكريم، ولكن هذا ألم لا يساوي ذرة مما يعانيه ويشعر به أباء غزة وهم يشاهدون أطفالهم يبكون من الجوع والألم وفقد الأمان والعيش فى العراء وليس لديهم ما يفعلونه فتمتلىء صدورهم حسرة وحزنا فوق ما يعانوه ويعيشونه.
لكم الله يا أطفال غزة فهو وحده كفيل أن يرفع عنكم هذا العذاب والبلاء بعد أن تخلى عنكم العالم أجمع، هذا العالم الذى فقد كل قيمه وإنسانيته وعدالته.