عاممقالات

عمرو الشيخ .. يكتب: # سارق – الفرح

لماذا لم نعد نعرف كيف نفرح ؟!! ( 1 الفرح)

منذ قرابة الثلاثين سنة، تسع وعشرين تحديدا ظهر فيلم (سارق الفرح) للمخرج داود عبد السيد، عن قصة خيري شلبي، وتصوير طارق التلمساني، وموسيقى راجح داود
وهو طاقم فني يضمن النجاح لأي عمل
لكن شيئاً ما خفياً كان يحيلني إلى لعنة الاسم
أو تحديدا أن اسم هذا الفيلم (سارق الفرح) سيصير لعنة ما في يوم ما
ويبدو أنه قد كان
فعند رصدي لبعض التغيرات في سلوكيات المجتمع المصري، يمكنني أن أدّعي أن قدرات المصريين على الفرح أو تحديدا إظهار الفرح، في تراجع مستمر مريب وعلى كافة المستويات
ولنبدأ بالمصطلح ذاته: الفرح، نعم الفرح
ما رأيكم لو وضعنا الصورة الذهنية لأي فرح مصري فوق السطوح أو في قاعة، وعقدنا مقارنة بين أفراح الخمسينات والستينات حتى نهاية التسعينات وأفراح الألفية الجديدة؟.

أفراح الماضي تجد فيها الفرحة الحقيقية، الأب المرتبك وهو يخفي تساؤلاته حول مدى أداء رسالته، الأ

 

م التي يتزاحم في قلبها وابتسامتها ودموعها شعورا الفرح والقلق، والعروس البنوتة المكسوفة والعريس الرجل، وصديقة العروس التي يضغطون عليها ضغطا شديدا لترقص لصديقة عمرها، وتحت الإلحاح، ومع إيماءة وجه والدتها من بعيد بموافقة تكاد تكون مشروطة، تتمايل صديقة العروس ووجهها يقطر حياء، وعادة تجري ولا تكمل رقصتها
الفرح في الماضي كان فرحة بسيطة حقيقية
أما اليوم فلابد أن يصطحب الاب ابنته في مشهد مفتعل كأنه ملك النمسا، ولابد أن يفتعل خطبة جوفاء مكررة أمام المأذون، ولابد للأم أن تتعالى درجات «مُحنها» وهي تبكي وتفسد مكياچها وكأن ابنتها فازت بجائزة نوبل أو لعلها تشعر أن ابنتها مجرد أنثى شمبانزي كان من المستحيل زفافها فتبكي بكاء غير المصدق
وفي ملحمة التباكي لابد أن يبكي شقيقها وتبكي صاحباتها- المصرومات أساسا تبعا لمصطلح المرحلة-
وبمجرد انتهاء ملحمة «البربرة» والدموع، لابد لحشد لا يقل عن ثلاثين شابا من أصحاب شقيق العروسة أو العريس يرتدون أغلى ماركات البدل لكنهم يرقصون بطريقة البلطجية ضاربي الأنفاس على أبشع نغمات المهرجانات، وهم يشعرون أنهم يقومون بالواجب مع أخيها!!
ولا ننسى صديقة العروس التي ترقص بكل حواس جسدها الذي نقل فستانها الضيق المثير أدق أدق تفاصيل مفاتن هذا الجسد
طبعا هذه المشاهد لا يراها المعازيم منذ سنة ٢٠٠٠ إلا عبر شاشات القاعة؛ فالشباب والشابات بمجرد دعوة المختل صاحب «الدي چيه» صاحبات وصحاب العريس «يتفضلوا هنا» حتى تنتهي علاقة المعازيم بالكوشة وما حولها
وهنا لا يفوتني أن أنسى وصلات الرقص التي تؤديها العروس بكل تفاصيل جسدها وسط تأييد فرحة طاغية من صاحباتها، وتأييد منقطع الرجولة عفوا، منقطع النظير من أصحاب زوجها فلا ننسى أن «الرجالة» يقومون بالواجب
هنا كنت أتساءل:
ماذا لو أن نفس تلك العروس جاء نفس أصدقاء عريسها إلى بيتهم هل سيوافق العريس أن ترقص أمامهم؟
هل سيوافق أن ترقص بنفس الكفاءة أمام نفس الحشد ولكن في رحلة؟!
نحن لا نقيم أفراحا
نحن نسخر ما يفوق إمكاناتنا لخلق لقطات للسوشيال ميديا وحالات للواتس
حتى الأكل الذي يقدم في الفرح لم يعد تلك العلبة البسيطة التي كانت تقدم في الماضي وتضم قطعة جاتوه وقطعة بغاشة وعلبة عصير «بست» وساندوتش لحمة باردة، وربما سندوتش آخر كفتة
ولم يعد هو البوفية الطبيعي الذي يضم المشويات والديك الرومي وبعض المكرونات والأرز والمحشي
صار الأمر ميدانا للتسابق في الفخامة والأبهة مما يؤدي إلى القروض والاستدانة
أما شقة الزوجية فحدث ولا حرج
هي تعبير عن قدرات الوالدين والد العريس ووالد العروسة
لابد من شقة ضخمة تقارب الـ 200متر
لابد من ريسيبشن 3 قطع ووالله لن يدخله أحد
وغرفة نوم وغرفة ليڤينج وغرفة أطفال
ولابد من وجود طقم صيني وحلل وأطباق بمئات الألوف
لابد من وجود مئات الفوط، وأغلى السجاجيد والستائر
ولابد من البدء بأجهزة التكييف مهما استدان الوالدان
هذه الشقق لا يدخلها أي زائرين ولا حتى سكانها، فعادة الأجيال الجديدة من شباب المتزوجين أنهم يقسمون الأسبوع:
يقضون خمسة أيام عند أبيها، وخمسة أيام عند أبيه، وإذا أنجبا الطفل الأول فتزاد الحاجة إلى تدخلات أم العروس وأم العريس، وربما تدخلات الأمم المتحدة
ماذا كنا ننتظر من أجيال لم تقف طابور مدرسة
لم يستيقظ أحدهم ولو في الحادية عشرة صباحا
نحن لا نفرح .. نحن نتصنع حالات «سوشيال ميديا»ونستعرض إمكانات ونكيد ونبالغ في النفقات
ترى
من سرق أفراحنا؟!

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى