كنت وما زلت وسأظل ممن يطالبون بضرورة عودة الطلاب للمدارس بعد انقطاع دام لسنوات طوال …
فقد كنت مستاء جدا وأنا أرى وأشاهد المدارس بمراحلها المختلفة مهجورة …
وكنت متعجبا من صمت الدولة ورضوخها للأمر الواقع …
كما كان منظر الطلاب وهم يتسكعون في الطرقات على مدار اليوم أو وهم يتكدسون في أماكن خانقة ضيقة غير صحية لتلقى الدروس الخصوصية في بيئات غير مناسبة سواء معنويا أو جسمانيا، مخزياً وبائساً ….
وكانت جميع المدارس بلا استثناء تقريبا تفتح أبوابها على استحياء لمستقبل الطلاب أيام الامتحانات أو لسداد الرسوم واستلام الكتب التي لا يقرأها أحد …
وأصبح المعلمون والمعلمات يزورون مدارسهم على فترات متباعدة بعد تأمين وتوفيق أوضاعهم بالتنسيق مع إدارة المدرسة !!؟؟
وباءت جميع محاولات بعض الوزراء السابقين بالفشل عندما قرروا التصدي لتلك المشكلة …
ووقتها – مع شديد الأسف – ساعد أولياء الأمور على فشل التجربة بحجة أن الفصول مكدسة … وأن المعلمين لا يقومون بواجباتهم بل يحرضون الطلاب على الغياب وعدم الحضور …
على الجانب الآخر بدأنا نسمع عن عبقري الكيمياء ووحش الفيزياء وصاروخ الأحياء وسيبويه اللغة العربية ونيوتن الرياضيات وهكذا …
كما ظهرت طبقة من أثرياء المعلمين الذين ارتدوا أفخر الثياب وركبوا أغلى السيارات وتملكوا الأبراج و الشاليهات تحت سمع وبصر الجميع …
وكنت اترحم على أيام زمان … أيام الزمن الجميل في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي … وكيف كانت المدارس صروحا علمية تربوية شاملة وشامخة … يتعلم فيها الطلاب العلوم ويمارسون الأنشطة في أجواء تربوية صحية تنافسية راقية …
كانت الامتحانات اختبارا حقيقيا عادلا لقياس مستوى الطالب … لم نكن نعرف الغش ولم تكن هناك لجان للغش الجماعي أو لجان لأبناء أصحاب الحظوة والنفوذ والسلطان …
كانت الأنشطة أساسية وضرورية وهامة
موسيقى ومسرح وكورال … فنون تشكيلية ألعاب رياضية فردية وجماعية … خطابة وإلقاء وتمثيل … مهارات حرفية وزراعية
حفلات ومهرجانات على أعلى مستوى …
كان للمعلم قدره وكان جديرا بالاحترام كونه قدوة حقيقية …
لذلك كنت في غاية السعادة وأنا أرى الدولة تعود وتقر نظاما يعيد الطلاب الى المدارس في خطوة جادة يتم التغلب فيها على معوقات نقص المعلمين وتكدس الفصول وعدم كفايتها بحلول عملية مقبولة …
لكن … وآه من لكن هذه …. فوجئنا بأن التجربة تتعرض لخطر داهم وحقيقي …
فالمعلمون يتعرضون لمضايقات بعض أولياء الأمور .. كما يعانون من شراسة وسوء أخلاق معظم الطلاب الذين تعودوا على الخمول والكسل ويفتقدون أبسط قواعد التربية …
أصبحت هناك معاناة حقيقية للعديد من المعلمين … أيضا هناك فئة ليست بالقليلة من المعلمين يرفضون الأمر ويتمنون العودة للنظام الفوضوي الذي يتيح لهم ( تقليب عيشهم ) بعيدا عن أجواء المدرسة …
لذلك أناشد الجميع أن يعملوا جادين صادقين على إنجاح التجربة لإنقاذ جيل تعرض لشتى أنواع وألوان الإهمال التربوي …
ساندوا المعلمين وشددوا الرقابة واضربوا بيد من حديد على كل من يحاول أن يفشل أمرا طالما انتظرنا ونادينا به …
أعيدوا التربية للمدارس … التربية تسبق التعليم وسترون وتجنون نتائج مبهرة …
وأدعو كل ولي أمر أن يعمل من جانبه على نجاح العملية التعليمية وألا يكون معول هدم لها …
افعلوها من أجل إنقاذ مستقبل أبنائكم وفلذات أكبادكم وخير وصالح وطنكم …
افعلوها ولن تندموا ..
اللهم احفظ أبناءنا وبناتنا … واحفظ وطننا الحبيب من كل شر يحاك له بليل من أعداء ألداء متربصين …
اللهم آمين …