قادة ورموز الأديان في إندونيسيا .. يحتفون بشيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين
نظمت جمعية نهضة العلماء الإندونيسية، أكبر جمعية إسلامية في العالم؛ والتي يتجاوز عدد أتباعها 120 مليون شخص، حفل استقبال حاشد لفضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين.
جاء ذلك بحضور قادة الأديان ورموزها المختلفة في إندونيسا من الكاثوليك والبروتستانت والبوذية و الهندوسية والكونفوشيوسية، بالإضافة إلى الآلاف من قيادات الجمعية ورموزها وشبابها وفتياتها الذين حضروا حفل الاستقبال، ومئات الآلاف الذين تابعوا فعاليات الحفل من خلال البث المباشر.
وفي كلمته خلال الحفل الذي انعقد تحت عنوان ” الحوار و الوئام بين الأديان والحضارات” ، قال شيخ الأزهر إن الأديان هي رسالة سلام إلى البشر، بل وإلى الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها، وعلينا أن نعلم أن الإسلام لا يبيح للمسلمين القتال إلا في حالة واحدة؛ هي دفع العدوان عن النفس والأرض والوطن، مؤكدا أنه لم يحدث قط أن قاتل المسلمون غيرهم لإجبارهم على الدخول في دين الإسلام؛ لأن الإسلام لا ينظر لغير المسلمين من منظور العداء والتوجس والصراع، بل من منظور المودة والأخوة الإنسانية، وهناك آيات صريحة في القرآن تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم -أيا كانت أديانهم أو مذاهبهم- هي علاقة المودة والبر والإنصاف.
وأضاف فضيلته، أن الإسلام ليس هو الدين الذي عليه أن يثبت أنه دين حوار، وأنه دين تكامل الحضارات، وتلاقح الثقافات واحترام الآخرين، فهذه الحقائق يعرفها لهذا الدين من يؤمن به ومن لا يؤمن به على سواء، موضحا أن التاريخ قد شهد لحضارة هذا الدين أنها كانت ولا زالت حضارة الأخوة الإنسانية، والزمالة الدينية العالمية، وأنها لم تكن أبدا مصدر شقاء للإنسانية، فلم تضق ذرعا بأخوة الأديان الأخرى، ولم يعرف عنها أنها وقفت منها يوما موقف عداء معلن أو خفي، أو تجاوزت في نزاعاتها المسلحة مع غير المسلمين شريعة الحق، أو شريعة الدفاع عن النفس والوطن.
وأكد شيخ الأزهر أنه من الواجب على الشرقيين أن يشعروا بروابط أكثر تقاربا وتآلفا، يتواصلون بها مع الغرب، وأن يتوقفوا عن اعتبار الحضارة الغربية حضارة كلها شر وخروج على قيم الأديان والفضائل، وأن نستبدل بهذه النظرة نظرة أخرى أكثر تفاؤلا، تبدو فيها الحضارة الغربية حضارة إنسانية، إن كان فيها بعض المثالب والنقائص فهي لا شك حضارة أنقذت الإنسانية، ونقلتها إلى آفاق علمية وتقنية لم تكن لتصل إليها طوال تاريخها السحيق، لولا عكوف علماء الغرب على مصادر المعرفة الأدبية والتجريبية والفنية، على أن الشرق لديه ما يسد به الغرب ثقوبه الروحية والدينية، ويدفع به عن حضارته عوامل التحلل والاندثار، والغرب لديه الكثير مما يقدمه للشرق لانتشاله من التخلف العلمي والتقني والصناعي وغير ذلك.
واختتم فضيلته: “لعل الخطوة التي خطوناها سويا أنا وأخي البابا فرنسيس، وربما لأول مرة في تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية، وأثمرت: وثيقة الأخوة الإنسانية التي يعرفها العالم اليوم من أقصاه إلى أقصاه، واعتمدت الأمم المتحدة يوم إعلانها في الرابع من فبراير يوما دوليا للأخوة الإنسانية؛ لعل هذه الخطوة تسهم قليلا أو كثيرا في إذابة الجليد المتراكم من سوء الفهم والتوتر والتباعد بين أتباع المذاهب والأديان في الشرق كما في الغرب، وبخاصة في أوقات الحروب والأزمات، لافتا أن مثل هذه اللقاءات سوف تؤتي ثمارها المرجوة -إن شاء الله- إذا ما خلصت النيات، وصحت العزائم، وصفت القلوب، وصحت العقول، فهل من أمل في أن يخفف الغرب من غلوائه وكبريائه، ويتخفف الشرق من هواجسه وسوء ظنونه، ليلتقي كل منهما بالآخر في منتصف الطريق لقاء تعارف ومودة، وتبادل خبرات ومنافع، وتعاون حقيقي من أجل سلام دائم وحضارة آمنة؟!”.
من جانبهم أعرب قادة الأديان ورموزها عن ترحيبهم الكبير بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، مؤكدين أن فضيلته يعد رمزا للسلام والتسامح، وأنهم دائما ما يستلهمون من جهود فضيلته الداعية دائما إلى نشر قيم الحق والخير والعدل والأخوة الإنسانية، في نشر روح السلام والتعايش وقيم المواطنة، فيما أعرب الحضور من جمعية نهضة العلماء عن حبهم وتقديرهم لفضيلة الإمام الأكبر والأزهر الشريف؛ حيث أشاروا إلى أنهم يحرصون دائما على الاقتباس من نور الأزهر الشريف وعلمائه المخلصين الذين ينشرون الفكر المستنير حول العالم.
ورحب ياقوت خليل قوماس، وزير الشؤون الدينية الإندونيسي، بالزيارة الثالثة لشيخ الأزهر في إندونيسيا، استجابة لدعوة الرئيس الإندونيسي، مؤكدا أن هذه الزيارة تمثل أهمية كبرى لما يحظى به فضيلة الإمام الأكبر من حب وتقدير كبيرين في قلوب الإندونيسيين، التي تربى علماؤها على يد علماء الأزهر، ومشوا بنور علمه، وبركة أساتذته المخلصين.
فيما أعرب الرئيس التنفيذي لجمعية نهضة العلماء الإندونيسية عن بالغ سعادته بتلبية شيخ الأزهر الدعوة لحضور الاحتفالية التي أقامتها الجمعية بمناسبة زيارة فضيلته لإندونيسيا، مشيرا إلى حرص أكثر من 300 من رؤساء الجامعات التابعة للجمعية، بالإضافة إلى آلاف الأعضاء، على الحضور لرؤية شيخ الأزهر، ومتابعة مئات الآلاف لفضيلته من خلال المنصات الرقمية للجمعية، وأن هذا يدل على محبتهم لشخصية الإمام الأكبر والأزهر الشريف.
وألقى باهنا بانافارو، ممثل الطائفة البوذية في إندونيسيا، كلمة أكد فيها على امتنانه لاستقبال شيخ الأزهر، هذه الشخصية المعروفة عالميا بجهوده في إرساء الحوار والتعددية، مضيفا “بصفتي ممثلا البدويين؛ أعبر عن امتنان لهذه الزيارة العزيزة لكل الإندونيسيين وليس المسلمون فحسب”، مشيرا إلى متابعة الطائفة البوذية في إندونيسيا لمواقف شيخ الأزهر وكلماته التي تحض على التفاهم والتعايش المشترك، ودفع عجلة الحوار والتقارب بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة.
كما ألقى الأب جومال جولتوم، ممثل الطائفة البروتستانتية في إندونيسيا، كلمة ترحيبية بشيخ الأزهر قال فيها “باسم الكنائس المسيحية في إندونسيا، نعبر عن امتناننا وسرورنا بالتواجد اليوم للترحيب بفضيلتكم في بلادنا، لقاؤنا اليوم هو خطوة مهمة نحو المضي قدما في عقْد عدد من اللقاءات المشتركة لزعماء الأديان في بلادنا، ونحن محظوظون بالتواجد بين هذه الكتلة الإسلامية الكبيرة، التي تمثل أكبر دولة إسلامية في العالم، مؤكدا سعي إندونيسيا للحفاظ على التعددية والتنوع والانسجام والتناغم بين كل أطياف المجتمع.
من جهته، قال الدكتور مانغكو فاستيكا، زعيم الطائفة الهندوسية في إندونيسيا، أن زيارة شيخ الأزهر أتت بروح السلام، في وقت يفتقر العالم فيه لهذه الروح في ظل الصراعات والاحترابات المنتشرة، معربا عن تقديره لجهود فضيلة الإمام الأكبر في نشر الأخوة والتعايش والاحترام المتبادل، وسعادته بهذا اللقاء الذي نظمته جمعية نهضة العلماء لاستقبال شيخ الأزهر، مؤكدا أن “نهضة العلماء” هي أحد ركائز المجتمع الإندونيسي في الحفاظ على أمنه واستقراره والحفاظ على العلاقة الطيبة بين أتباع الديانات المختلفة.
فيما قال الدكتور بودي تانور ويبوو، زعيم الأمة الكونفوشيوسية في إندونيسيا: “نرحب بفضيلة الإمام الأكبر في بلادنا، إنها حقا زيارة أمن وود للجميع، ندعو الله أن يمن على فضيلته باستكمال جهوده في إرساء السلام والمحبة لتعم العالم كله، وليصبح العالم أكثر تناغما وانسجاما وتربة خصبة تحتوي الجميع وتضمن لهم حقوقهم وواجباتهم”.
وقال الكاردينال سوهاريو، ممثل الكاثوليك في إندونيسيا، إن شيخ الأزهر هو داعية للسلام وإنه لشرف كبير أن نلتقيه في إندونيسيا، لقد تمنيت هذا اللقاء منذ فترة طويلة، وازدادت الرغبة لدي بعد توقيع فضيلته مع قداسة البابا فرنسيس لوثيقة الأخوة الإنسانية عام 2019، التي قمنا بتعميمها على مختلف الكنائس في إندونيسيا، كما أوحت إلينا بتقديم كتاب عن التعايش من تأليف عدد من قادة الأديان في إندونيسيا، ونأمل في استكمال جهود الإمام الطيب لدفع عجلة الخطوات والتقارب بين أتباع الثقافات والديانات المختلفة.
وفي نهاية الاحتفالية، سلم الرئيس التنفيذي لجمعية نهضة العلماء الإندونيسية درع “نهضة العلماء” لشيخ الأزهر تعبيرا عن حب الشعب الإندونيسي لفضيلته وسعادتهم بهذه الزيارة الكريمة.
شارك في الاحتفالية فضيلة العلامة الشيخ مفتاح الأخيار عبد الغني، الرئيس العام لجمعية نهضة العلماء، وفضيلة الشيخ الدكتور يحيى خليل ثقوف، الرئيس التنفيذي لجمعية نهضة العلماء، ومعالي وزير الشؤون الدينية الإندونيسية، ياقوت خليل قوماش، وقداسة القس الأب غومار غولثوم ، قس الكنيسة البروتستانتية الإندونيسية، وممثل عن قداسة الأسقف الأب إيغناثيوس سوهارْيو، كاردينال الكنيسة الكاثوليكية الإندونيسية، و الدكتور مادي مانغكو فاستيكا، زعيم الأمة الهندوكية الإندونيسية، و البانتي فانافارو، القائد الديني الأعلى للأمة البوذية الإندونيسية، و بودي سانتوسو تانو ويبوو، زعيم الأمة الكنفوسية الإندونيسية، وعدد كبير من الشخصيات الدينية والفكرية والثقافية في إندونيسيا.