قمة «بريكس» السادسة .. الطموحات والتحديات
تنطلق بمدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية، غدا الثلاثاء، أعمال الدورة السادسة عشرة لقمة مجموعة “بريكس”، بمشاركة 24 رئيس دولة، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وتترأس روسيا مجموعة “بريكس” هذا العام تحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين”، وخلال توليها الرئاسة الدورية للكتلة، حددت روسيا ثلاث مجموعات من الأولويات، وهي: السياسة والأمن، والتعاون في الاقتصاد والتمويل، والتبادلات الإنسانية والثقافية، ونظمت أكثر من 200 حدث سياسي واقتصادي واجتماعي، لتعزيز سبل تنفيذ المزيد من التعاون بين دول “بريكس”.
ومن بين هذه الفعاليات اجتماع عبر الإنترنت حول عمل مركز البحث والتطوير في مجال اللقاحات التابع لـ”بريكس”، جرى في سبتمبر الماضي، واجتماع لوزراء بريكس لشؤون المرأة في سانت بطرسبرغ بروسيا في 20 سبتمبر الماضي، كما عقد اجتماع لوزراء الطاقة بدول المجموعة في موسكو خلال السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، واتفق المشاركون فيه على وجود صلة متبادلة بين أجندات الطاقة والمناخ، وكذلك على أن الأهداف والمهام المناخية ينبغي ألا تعوق التنمية الاقتصادية للبلدان المعنية.
وفي تصريحات له بموسكو خلال الأسبوع الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن مجموعة “بريكس” باتت المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي، مشددا على أن إمكانات المجموعة يمكن أن تزداد من خلال التعاون بين أعضائها.
وأشار بوتين إلى أن المجموعة تعمل على إنشاء “منصات تنمية” مختلفة داخل المجموعة، بما في ذلك “قنوات الاتصالات، والمعايير التكنولوجية والتعليمية، والأنظمة المالية، وأدوات الدفع، وبالطبع آليات الاستثمار المستدام طويل الأجل”.
وقال إن المجموعة لا تبت في مسألة العملة الموحدة لـ”بريكس”، وإنما تدرس إمكانية استخدام العملات المحلية في التبادل، وتهيئة أدوات مالية تسمح بالقيام بهذا العمل بشكل آمن، مشيرا إلى أن دول المجموعة تعمل على إنشاء نظام خاص بها مماثل لنظام “سويفت” بين البنوك لتبادل المعلومات المالية.
ومن المتوقع أن تؤدي القمة إلى تعهد ملزم من قادة الدول المشاركة بإنشاء آليات لتعاون أعمق في التجارة، وإنشاء مؤسسات تكنولوجية ومالية تعزز التبادلات، بالإضافة إلى تسهيل عملية نقل المهارات والتكنولوجيا عبر الدول الأعضاء.
وسينظر القادة المشاركون بالقمة في قبول أعضاء جدد للمجموعة، حيث تسعى أكثر من أربع وثلاثين دولة إما إلى العضوية الكاملة أو التعاون في بعض الأشكال الأخرى، ويقول مراقبون في آسيا إنه بالرغم من إمكاناتها الهائلة، تواجه “بريكس” تحديات كبيرة، لأن الأنظمة السياسية المتنوعة والأولويات الاقتصادية لأعضائها قد تعوق عملية اتخاذ القرار والتعاون داخل المجموعة، كما أن غياب الإطار المؤسسي الرسمي لها يزيد الأمور تعقيدا.
ويرى المراقبون أن التعاون الاقتصادي أسهل قولا من الفعل، مضيفين أنه مع زيادة عدد أعضائها، قد تجد مجموعة “بريكس” صعوبة أكبر في التوصل إلى إجماع بشأن المسائل الاقتصادية، وأضافوا أنه باستثناء بنك التنمية الجديد الذي أنشأته المجموعة، لم يكن هناك الكثير مما يمكن إظهاره، فيما يتصل بالتعاون الاقتصادي بين دول المجموعة.
ومنذ تأسيسه، قدم البنك استثمارات في البنية التحتية والتنمية المستدامة بقيمة حوالي 35 مليار دولار لدول “بريكس”، حيث تغطي المشاريع الطاقة النظيفة، وكفاءة الطاقة، والبنية التحتية للنقل والمياه والصرف الصحي، وحماية البيئة والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الاجتماعية.
وتتزايد قائمة الدول التي تسعى إلى الانضمام لمجموعة “بريكس”، لتشمل بعض عمالقة الآسيان والطامحين للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد أعربت اقتصادات بارزة في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مثل تايلاند وفيتنام وماليزيا عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، وحتى الدول التي تقدمت بطلبات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مثل تركيا وصربيا، تدرس ما إذا كان الانضمام إلى المجموعة هو الخيار الأفضل.
ويقول محللون آسيويون إن القمة تعقد وسط تحديات وأزمات عالمية هائلة، وإن على القمة أن توفر أيضا إمكانيات لإسكات البنادق، ودفع الفصائل المتحاربة نحو تسوية قابلة للتفاوض، وأن تضغط لإيجاد حلول وآليات ملموسة لإنهاء الصراعات وإحلال السلام؛ لأن السلام شرط لا غنى عنه بالنسبة للتنمية والازدهار المشتركين.
وتتألف مجموعة “بريكس” حاليا من عشر دول، وقد أعربت أكثر من 40 دولة إضافية عن اهتمامها بالانضمام لعضويتها، في حين تكهن البعض بأن المجموعة قد تنمو في نهاية المطاف لتشمل أكثر من 100 دولة.
وبريكس هي رابطة حكومية دولية لدول تصنف بأنها ذات إمكانات عالية للنمو الاقتصادي والتنمية، وتم تشكيلها في عام 2006، واسمها اختصار مكون من الحروف الأولى لأسماء الدول المؤسسة لها، وهي: روسيا، البرازيل، الهند، الصين وجنوب إفريقيا.
وتأسست المجموعة كجزء من منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي بهدف أساسي، وهو التعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن، فضلا عن التنمية الإنسانية، ومن أبرز مهام دول المجموعة التغلب على الأزمات المالية والاقتصادية الناشئة، وتحسين مستوى معيشة سكان البلدان المشاركة، والانتقال من الاعتماد على المواد الخام إلى إنتاج التكنولوجيا الفائقة.
وتقول الأطراف المكونة إنها تسعى إلى بناء علاقات على أساس ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والمبادئ الأساسية التي تلتزم بها المنظمة هي الانفتاح والواقعية والتضامن في القرارات والحياد تجاه الأطراف الثالثة.
تهدف المجموعة كذلك إلى خلق بيئة اقتصادية مستقرة ومواتية للأعضاء، فضلا عن تطوير التجارة وتحفيز الاستثمار المتبادل، كما تعمل على إقامة علاقات بين البنوك، واستخدام العملة الوطنية في التسويات المتبادلة.
ومنذ عام 2024، تحاول الدول الأعضاء في المجموعة تقديم جبهة موحدة بشأن القضايا الدولية الرئيسية، وتسعى جاهدة لجعل المجتمع العالمي متعدد الأقطاب، وتؤكد على العمل المشترك لتطوير الرعاية الصحية، وتحسين مستوى التعليم والحماية الاجتماعية.
تمثل بلدان المجموعة حوالي ثلث مساحة اليابسة في العالم، ويعيش فيها أكثر من 45% من إجمالي سكان الكوكب، وتضم حوالي 45% من احتياطياته النفطية، وتحتفظ بأكثر من 17% من احتياطي الذهب العالمي في بنوكها، وفي عام 2016، تجاوزت دول مجموعة “بريكس” مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتمثل المجموعة الآن نحو 37% من الناتج العالمي، مقارنة بنحو 30% لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وتساهم الصين وحدها بنحو 30% من الناتج الصناعي العالمي، ويقدر مجموع الناتج الإجمالي المحلي لدول “بريكس” بأكثر من 60 تريليون دولار.
وتستحوذ دول مجموعة “بريكس” على ربع صادرات العالم من السلع، كما أن أعضاء المجموعة يهيمنون على العديد من الأسواق الرئيسية، بما في ذلك الطاقة والمعادن والأغذية.