جاءت حرب الإبادة التى يشنها الكيـــان الصهيـــ..ونى المحتـــ..ل على غـــ..زة على مدار ثلاثة أشهر من القصف اليومى المتواصل وهدم المنازل وتخريب كل وسائل الحياة مع حصار قاس، يمنع دخول الغذاء والماء والوقود والدواء إلا بكميات محدودة، لتسقط كل الأقنعة وتعرى الجميع أمام مواقفهم المتخاذلة.
نعم جاءت هذه الحرب، لتثبت أننا نعيش فى عالم متناقض المواقف، عالم منزوع الضمير، عالم فاقد للإنسانية وحقوق الإنسان وهو عكس ما ظل الكثيرين يتغنى به ويؤكد على تبنيه وإيمانه به وإنتقادة للأخريين بسببه.
لقد عرت هذه الحرب الولايات المتحدة الأمريكية عن ـاخر قطعة ملابس ترتديها بعد أن ثبت بالدليل القاطع فقدها لكل القيم والمبادىء والإنسانيات وغيبت بقايا ضميرها بعد أن شاركت بفاعلية، الكـــ..يان الصهيـــ..ونى المحتـــ..ل فى حرب الإبـــ..ادة لشعب غـــ..زة بعد أن أمدته بالسلاح والمؤن وأيدت مواقفه العدوانية ودافعت عنه فى المحافل الدولية وأجهضت كل قرارات مجلس الأمن لوقف الحرب أو إيصال المساعدات الإنسانية، إضافة إلى ضغوطها على العديد من الدول العربية والأوروبية لعدم تبنى مواقف مؤيدة للحق الفلسطين.
ولقد عرت هذه الحرب الدول العربية وموقفها المخزى الهش الضعيف وهم يشاهدون أشقاءهم الفلسطينين يُفعل بهم ما لا يفعله أى محتل فى التاريخ وتراضوا أن يكونوا صماً بكماً لا يسمعون وكأن الأمر لا يعنيهم، وحتى جامعتهم العربية التى أصبحت مجرد مبنى فخم وضخم وإسماً لشارع فى حى المهندسين تعرت تماماً عن تبنى أى موقف قوى وفاعل.
ولقد عرت حرب الإبادة هذه جميع المنظمات والمؤسسات الدولية بعد أن تركت بِصمتُها و مواقفها الضعيفة المتخاذله محتلاً مجرماً يبيد شعباً أعزل دون أن يكون لها مواقف شجاعة أو دفاع قوى عن حقوق البشر فى الحياة كما كانوا يتشدقون ويملأون الدنيا ضجيجا بمؤتمراتهم وبتقاريرهم والتى ثبت أن غالبيتها تكون موجهة ومخصصة حسب الأهواء ومصالح كبار الدول وفقط.
ولقد عرت هذة الحرب البربرية وسائل الإعلام الأمريكية والغربية و فى بعض الدول العربية، تلك الوسائل الإعلامية التى كانت تتشدق وتدعى أنها منابر للحرية والتعبير عن الحقوق والمواقف الإنسانية فجاءت هذه الحرب لتثبت كذب هذا الإدعاء وأن الآلة الإعلامية الغربية تحكمها رؤيه تخدم مصالحها الخاصة دون أى إعتبار لأى قيم أو ضمير أو ميثاق شرف إعلامى وأنها كُشفت وتعرت عندما وضُعت أمام إختبار حقيقى وواقعى تتعارض فيه المصالح مع القيم.
ولقد عرت هذه الحرب عالم الفن والفنانين والذين يرددون دائما أن الفن رسالة سامية وأن الاعمال الفنية خير معبر عن الواقع الذى نعيشه، وجاءت هذه الحرب لتثبت أن هذا الكلام عار من الصحة فلم نجد موقفاً قوياً من أى ممثل أو فنان يعبر فيه عن رؤيته ورأيه فى حرب الإبادة على شعب غزة وتوجيهه للملايين من محبيه ومتابعيه نحو مساندة الحق لشعب أعزل أو المساهمة فى توفير المساعدات الإنسانية.
ولم نجد أو نسمع أن منتجاً فنياً أو مؤلفاً أو مخرجاً بدأ فى الإعداد أو تنفيذ عمل فنى يجسد بحق وبواقعية ما يحدث من جرائم وإبــ..ادة فى غـــ..زة خاصة ونحن مقبلون على الموسم الدرامى الرمضانى وكان أمامهم فرصة كبيرة لعرض عمل فنى فى رمضان، وأستطيع أن أجزم أنه كان سيحقق نجاحاً ساحقاً ونسب مشاهدة أكثر من أى عمل آخر، ولكن للأسف سقط عالم الفن والفنانين فى الإختبار وتعروا مثل غيرهم وفقدوا معنى المقولة المآثورة بأن الفن رسالة سامية فلقد «ماتت سامية» ومات سمو الفن وفقد مصداقيته.
نعم جاءت هذه الحرب فكشفت الجميع وأسقطت ورقة التوت عن الجميع وكانت أداة للفرز وإظهار القناعات و المواقف والحقائق، لقد أصبحت هذه الحرب مثل المرآة كاشفة للجميع وأصبح الكل عرايا أمامها، ولم يعد هناك مجال للخداع وإرتداء الأقنعة من جديد.