كثيرا ما أجلس مع نفسى وأتذكر القامات المصرية العظيمة فى القرن الماضي التى أثرت البلاد بعلمها وثقافتها وفنها ورؤيتها، وجعلوا مصر وجهة العرب والمسلمين ومصدراً للإلهام ومصدراً للعلم والإعلام والثقافة والادب وفهم صحيح الدين.
وأتحسر وينفطر قلبي على ما نعيشة خلال العقدين الأخيرين من إنحطاط فى الذوق العام وضياع الهوية وضحالة الفكر وعدم ظهور مواهب حقيقية في مختلف المجالات وأصبح من يتصدر المشهد فى تلك المجالات من أنصاف وعديمي الموهبة والفكر والفهم الصحيح، وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن من تقزم وتراجع بل وإنهيار في بعض المجالات.
أتذكر في مجال الصحافة محمد حسنين هيكل وموسى صبري وأنيس منصور ومصطفى وعلى أمين وعبدالوهاب مطاوع، هؤلاء كانت كتاباتهم أو مجرد تحقيق أو عمود صحفى منهم يتسبب فى تغيير وزارات وتحدث صدى ورد فعل يقلب الموازيين.
وأتحسر عندما أشاهد ما وصل إليه حال الصحافة على يد من يتصدرون المشهد الصحفى حتى أصبحت منزوعة الدسم وبلا تأثير.
وعندما أتذكر فى مجال الإعلام قامات كبيرة، أمثال الكبير فهمى عمر وأحمد سمير ومحمود سلطان وحلمي البلك وسناء منصور ونجوى إبراهيم ودرية شرف الدين وسهير شلبي، أتحسر على من يتصدرون المشهد الإعلامى من مرتزقة الإعلام معدومي الموهبة، الذين يفتقدون شرف الكلمة.
وعندما أتذكر فى مجال الأدب توفيق الحكيم وطه حسين وعباس محمود العقاد ويوسف إدريس ولويس عوض وجلال أمين وجمال حمدان وعبدالوهاب المسيرى ويوسف السباعي، أتحسر على إنحسار وتراجع الثقافة وعدم ظهور المواهب إلا ما يًعد على أصابع اليد ودون أن يكون لهم إبداعات كبيرة تحدث دوياً وتكون مرجعاً أدبياً، وتنمى الجانب الثقافى لدي الأجيال الحالية.
عندما أتذكر علماء وفقهاء الدين الإسلامي الوسطى الصحيح من أمثال الشيخ المراغي والشيخ جاد الحق والشيخ محمد الغزالي والشيخ عبدالحليم محمود والعلامة الكبير ومفسر القرآن الكريم الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ عبدالله شحاته والشيخ المسير، أتحسر عندما أشاهد مشايخ اليوم من يطوعون الدين ويفسرونه طبقا لأهوائم ومصالحهم وما سيحصلون عليه مقابل ذلك، ومن يتشددون بلا فهم أو إستيعاب لسماحة ويسر ديننا الحنيف.
وفى مجال تلاوة القرآن أتذكر الشيخ محمد رفعت (قيثارة السماء) والشيخ مصطفى إسماعيل (صوت من ذهب) والشيخ طه الفشنى (كروان الإنشاد الدينى) والشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ عبدالباسط عبدالصمد (الحنجرة الذهبية) والشيخ الحصري والشيخ محمود علي البنا، وأتحسر عندما لا أجد مثلهم الآن أى موهبة تسطع وتظهر وتتلألأ فى سماء عالم التلاوة.
وفى مجال الفن، عندما أتذكر زكي رستم ومحمود المليجي وفريد شوقى وعادل أدهم ومحمود مرسى ويحيى شاهين وسمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد وفاتن حمامه وزبيدة ثروت وليلى فوزى وعادل إمام وأحمد زكي، وغيرهم من عمالقة الفن، أتحسر عندما أشاهد ممثلين أمثال «نمبر وان» وبيومي فؤاد ومن على شاكلتهم ممن أفسدوا الذوق العام ونشروا التفاهه بين الشباب.
وفى مجال الغناء، عندما أتذكر سيدة الغناء العربى وعبدالحليم حافظ ونجاة وفايزة أحمد وكارم محمود ومحمد العزبى ومحمد فوزى وغيرهم من نجوم الغناء فى تلك الفترة، أتحسر عندما أشاهد شاكوش وبيكا وحريقة وشطة وسعد الصغير وروبى وما يقدمونه من إسفاف وإبتذال وخلاعه.
عندما أتذكر كل هذا الفارق الكبير بين أجيال جعلت مصر فى المقدمة وفي القيادة وفى الريادة وأجيال لم تقدم شيئاً لا بل أساءت لصورة مصر العظيمة القائدة الرائدة.
والسؤال الذي يحتاج لإجابة ويحتاج إلى بحث وفحص ودراسة: لماذا تراجعنا هكذا ووصلنا إلى هذه الحال؟ وإلى متى سنظل نتذكر ما مضى ونعيش على ذكريات ماض جميل ونتحسر على ما هو كائن من واقع أليم.