عاممقالات

مصر .. بين القوة «الناعمة» والقوة «المايعة»

ظلت مصر لعدة عقود متتاليه متربعة عربيأً وإفريقياً دون منازع فى مجالات الثقافة والعلوم والفنون والآداب، الأمر الذى جعلها فى منطقة متفردة، ومتميزة ويسعى الجميع للتعلم منها والإستفادة من الخبرات الكبيرة التى تحظى بها، علها تسير على النهج والدرب لبناء مجتمعها.

ولا شك أن حالة التوهج الثقافي الفني العلمي الأدبي خلال تلك الفترات كان أحد أهم مصادر القوة لمصر وهو ما أطلق عليه قوة مصر الناعمة، والذى جعل الثقافة المصرية واللغه المصرية الدارجة تسيطر على المجتمع العربى بأكمله وذلك من خلال العشرات بل المئات من كبار الأدباء والمثقفين والفنانين والعلماء والمعلمين الذين ساهموا فى إثراء المجتمع العربي بعلمهم وثقافتهم وفنهم وهو ما جعل مصر قبلة لكل طالب علم أو ثقافه أو فن.

وعلى النقيض تماماً، تبدل الحال خلال الثلاثة عقود الأخيرة وتحول التميز والتقدم إلى إضمحلال، وتحولت الثقافة إلى تفاهة، وتحول الطرب الأصيل إلى نشاز، وبعد أن كان المعلم المصري هو الأساس لتعليم كل الدول العربية أصبح في «خبر كان» واضمحلت العملية التعليمية بمصر حتى وصلت لمرحلة من التراجع لم يسبق لها مثيل فلا المدرسة أصبحت مقصد الطلاب، ولا المُدرس أصبح صاحب القيمة والقامه كما كان، وأصبحت المناهج وإدارة العملية التعليمية في حالة من السوء غير المسبوق.

تخيل أن مصر أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وفايزة ونجاة وكارم محمود وغيرهم من عمالقة الغناء أصبحت الأن حمو بيكا وشاكوش وسعد الصغير والبحراوى وعمر كمال فما هذا الإنحدار؟.

تخيل مصر عباس العقاد ويوسف السباعي و جلال أمين وعائشة عبدالرحمن وعبدالوهاب المسيرى وغيرهم من هذا العصر الذهبى لم يأت من يعوض غيابهم وكأن مصر أصبحت عاقراً غير قادرة على الإنجاب.

تخيل صحافة مصر من هيكل وعلى ومصطفى أمين ومحمود السعدنى وأنيس منصور وأحمد بهاء الدين وبهاء طاهر وعبدالوهاب مطاوع وصلاح عيسى ومجدي مهنا وغيرهم من عمالقة الصحافة، أصبحت بلا كتاب حقيقين وبلا لون ولا طعم وأنحدرت وتقهقرت وأصبحت مجرد نشرات حتى انصرف عنها الغالبية العظمى.

تخيل إعلام مصر من فهمى عمر وعلى فايق زغلول و أحمد سمير وحلمي البلك ومحمود سلطان وسهير شلبي وغيرهم من العمالقه يصل بنا الحال لموسى وأمين وعكاشه وبكري وعيسى والحسينى .. فما هذا الإنهيار والتراجع؟

تخيل كيف كان الفن المصري ومكانته وسيطرته ورسائلة على يد فريد شوقى والمليجى وزكي رستم وعمر الشريف و أحمد رمزي ونور الشريف ومحمد صبحى ومحمود مرسى وفاتن حمامه وغيرهم، ووصل بنا الحال إلى الفن التافه على يد محمد رمضان ومحمد سعد وهنيدي و عز وإلهام وليلي والدغيدي وغيرهم ومن على شاكلتهم.

والسؤال الذى يطرح نفسه: هل يمكن أن تعود مصر كما كانت بمكانتها وريادتها من جديد؟ .. وهل يمكن أن تعود قوتها الناعمة كما كانت بدلاً من سيطرة قوتها «المايعة» الكائنة الآن.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى