عام

بعد التوقيع على الإعلان السياسي المشترك

مصر والصومال .. عهد جديد من الشراكة الاستراتيجية

بهدف مواصلة الارتقاء بعلاقات التعاون بين البلدين الشقيقين بما يسهم في تثبيت الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ويصون مقدرات وسيادة ووحدة وسلامة أراضيهما.. وقعت مصر والصومال على الإعلان السياسي المشترك لترفيع العلاقات بين البلدين.

بالتوقيع على الإعلان السياسي المشترك، أطلقت مصر والصومال عهدا جديدا من التعاون يرفع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بما يشمله ذلك من محاور عدة، سياسية كانت أو عسكرية أم غيرها.

وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال استقباله الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بقصر الاتحادية بالقاهرة في رابع لقاء يجمع الرئيسان منذ يناير 2024 .

تناولت مباحثات الرئيسين مجمل تطورات العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث ناقشا التقدم المحرز في المجال الاقتصادي، بعد تسيير خط مصر للطيران بين القاهرة ومقديشيو.

واتفقا على ضرورة الحفاظ على الزخم القائم، وتدعيم العلاقات الثنائية خلال الفترة المقبلة، بإجراءات إضافية ومحددة في مجالات الصحة والتعاون القضائي وبناء القدرات، وغيرها من المجالات.

* الرئيس السيسي: عهد جديد من التعاون العميق

قال الرئيس السيسى، إنه تباحث مع أخيه الرئيس حسن شيخ محمود، حول مختلف القضايا والتطورات الإقليمية، بما في ذلك الأوضاع الأمنية والسياسية في منطقة القرن الأفريقي، وأمن البحر الأحمر حيث توافقا على ضرورة تكثيف الجهود، للحفاظ على السلم والأمن في تلك المنطقة الحيوية، المؤثرة على الأمن العالمي.

وأضاف الرئيس السيسى، إننا هنا اليوم، لإطلاق عهد جديد من التعاون العميق، حيث وقع وأخيه الرئيس حسن شيخ محمود، إعلانا سياسيا مشتركا، لترفيع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية بما يشمله ذلك من محاور سياسية، وعسكرية، وثقافية، واقتصادية أخرى حيث يقضى الإعلان، بإجراء مشاورات سياسية سنوية على مستوى القمة، لمتابعة مجمل تطورات العلاقات واستشراف إجراءات تعزيز التعاون فى مختلف المجالات.

كما اتفقا على ما مثلته “قمة أسمرة”، بين مصر والصومال وإريتريا، التي عقدت في 10 أكتوبر 2024، من نقلة نوعية فى العلاقات والتنسيق بين البلدين حيث شهدت المباحثات، سبل تعزيز التنسيق في الموضوعات الإقليمية، في إطار الحرص على دعم الصومال الشقيق، كركيزة أساسية في استقرار منطقة القرن الأفريقي، واتفقا على أهمية عقد قمة ثلاثية ثانية، لتعزيز هذه الشراكة.

وفيما يخص المجال العسكري، قال الرئيس السيسي، إنهما اتفقا على مواصلة العمل المشترك، تفعيلا لبروتوكول التعاون العسكري، الموقع بين البلدين بالقاهرة، في أغسطس 2024 بهدف تدعيم قدرات الدولة الصومالية ومؤسساتها الوطنية، لحفظ الأمن والاستقرار، ومكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.

وفي هذا الإطار، ناقش الرئيسان باستضافة باستفاضة، مسألة مشاركة القوات المصرية في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال.

وقال الرئيس السيسي “واسمحوا لي أن أتحدث عن مشاركتنا في هذه البعثة، التي تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال، ولا تهدف إلى تهديد أي دولة… مشاركتنا إيجابية، فعلي مدار أكثر من 30 عاما ونحن نتألم لما يحدث في الصومال.. مشاركتنا تهدف في الأساس للتضامن مع الأشقاء في الصومال”.

وشدد الرئيس السيسي على أن مصر ستظل دائما، داعمة لإخواننا في الصومال، وسنعمل معا لتحقيق المزيد من الإنجازات، فأمن واستقرار بلدكم الشقيق “جزء لا يتجزأ من أمننا القومي”.

* الرئيس الصومالي: فصلا جديد في الشراكة

وقال شيخ محمود، عبر حاسبه الرسمي على منصة X: “أجريت اليوم محادثات مثمرة مع الرئيس السيسي في القاهرة، حيث وقعنا اتفاقيات رئيسية لرفع العلاقات الصومالية المصرية إلى مستوى استراتيجي”.

وأكد “هذا يمثل فصلا جديدا في شراكتنا، مع التركيز على التعليم والأمن والتجارة والتعاون الثنائي الأقوى”.

* ترفيع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية

أصدرت مصر والصومال إعلانا سياسيا مشتركا، لترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.. ينص على:

* التشاور السياسي

– إجراء مشاورات سياسية سنوية على المستوى الرئاسي بين البلدين لمتابعة تطورات مجمل العلاقات الثنائية، والتوجيه بدفعها لفتح آفاق ومجالات جديدة من التعاون الثنائي بما يحقق الأهداف المشتركة.

– إجراء مشاورات سياسية نصف سنوية بين وزيري خارجيتي البلدين لمتابعة تنفيذ التوجيهات الرئاسية التي تهدف إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية، ورفع تقاريرهما وتوصياتهما ذات الصلة إلى القيادتين السياسيتين، بما يسهم في مواصلة بناء وتعزيز وتنمية العلاقات الثنائية في شتى المجالات.

– تشجيع الوزراء المعنيين بالمجالات المختلفة في الحكومتين على التشاور الدوري واستشراف سبل وإجراءات تعزيز التعاون في المجالات التي تقع في نطاق اختصاصهم.

– تشكيل لجنة على مستوى كبار المسؤولين بوزارتي خارجيتي البلدين لمتابعة تنفيذ نتائج المشاورات بين الجهات المختلفة للعرض على وزيري الخارجية، ورفع التوصيات لعناية رئيسي الجمهورية.

التعاون العسكري والأمني

– مواصلة تقديم جمهورية مصر العربية الدعم العسكري لجمهورية الصومال الفيدرالية بموجب بروتوكول التعاون العسكري الموقع في 14 أغسطس 2024، وذلك بهدف تمكين الصومال من محاربة الإرهاب والقضاء عليه بالاستفادة من إمكانات وخبرات مصر في هذا المجال.

– قيام وزارتي الدفاع بالبلدين ببحث سبل تعزيز العلاقات العسكرية بينهما خاصة في مجالي التدريب والتسليح، والعمل على تلبية احتياجات الجيش الوطني الصومالي في المجالات العسكرية المختلفة، مع التركيز على مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود البرية والبحرية.

– تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب من خلال التدريب المتخصص وتبادل المعلومات بين الأجهزة المعنية بالبلدين، بما يساعد الصومال على الوصول إلى هدف القضاء على الإرهاب وبسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها.

– استمرار تعزيز علاقات التعاون بين وزارة الداخلية المصرية ووزارة الأمن الداخلي الصومالي في مجالات عملهما، ولا سيما فيما يتعلق بتعزيز قدرات أجهزة إنفاذ القانون.

التعليم والثقافة وبناء القدرات

– تعزيز التعاون بين البلدين في بناء قدرات الجانب الصومالي في المجالات التعليمية المختلفة، سواء من خلال المنح الدراسية التي توفرها مصر للطلبة الصوماليين في الجامعات المصرية أو المنح التي يوفرها الأزهر الشريف للدراسة والتدريب المتخصص ونشر وتنمية استخدامات اللغة العربية في الصومال.

– تعزيز التعاون في بناء القدرات الصومالية في المجالات المختلفة ذات الأولوية للجانبين التي تسهم في تنمية العلاقات بين شعبي البلدين، وتسهم أيضا في تحقيق الرفاهية والتنمية المستدامة، ومنها مجالات العمل الدبلوماسي، والعمل البرلماني، والقضاء، والزراعة، والثقافة، والإعلام، والطب والصحة، وغيرها.

التعاون القضائي

– نقل الخبرات المصرية إلى الجانب الصومالي من أجل إعادة تأهيل المنظومة القضائية بالبلاد، وتقديم الدعم القانوني والفني للكوادر الصومالي لاستكمال صياغة مشروع دستور جديد للبلاد، وإعداد مشروعات القوانين المكملة للدستور، وتدريب شباب البرلمانيين الصوماليين لتأهيلهم للمهام النيابية المختلفة.

التعاون في مجال إدارة الانتخابات

– تقديم الجهات المصرية المعنية للدعم القانوني والفني والإجرائي اللازم للجانب الصومالي لتمكينه من إجراء وإدارة الانتخابات وفقًا لرؤية وطنية صومالية.

– التعاون الاقتصادي

تكثيف العمل على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين مصر والصومال بحيث ترتقي إلى مستوى العلاقات السياسية، وذلك من خلال رفع حجم التبادل التجاري، وتشجيع الاستثمارات المباشرة في المجالات ذات الأولوية، وعقد منتديات الأعمال وتبادل الزيارات والمشاركة في المعارض المتخصصة والفعاليات التجارية التي تستضيفها البلدان، والعمل على تذليل العقبات التي تحول دون تعزيز العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية تهدف لزيادة معدلات التجارة والاستثمار بينهما.

وفي هذا الصدد، تم تحديد القطاعات التالية ذات الأولوية للارتقاء بمجمل العلاقات الاقتصادية بين البلدين:

1- الزراعة والثروة الحيوانية.

2- الصيد والاستزراع السمكي.

3- البناء والتشييد.

4- النقل والمواصلات.

5- الخدمات المالية والمصرفية.

6- النفط والغاز، والطاقة الجديدة والمتجددة.

* مصر والصومال علاقات تاريخية

علاقات تاريخية وروابط أخوية ومصالح مشتركة وعلاقات ضاربة في جذور التاريخ، هذه الكلمات تمثل العلاقات بين مصر والدولة الشقيقة الصومال.

إذ تمتد العلاقات بين البلدين، إلى عصر المصريين القدماء الذين كانوا يتبادلون السلع مع “بلاد بونت” الصومال حاليا، ولعل أبرز أمثلتها عندما قامت الملكة حتشبسوت، خامسة حكام الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، بإرسال بعثة تجارية على متن سفن كبيرة تقوم بالملاحة في البحر الأحمر محملة بالهدايا والبضائع المصرية مثل البردى والكتان إلى بلاد بونت، فاستقبل ملك بونت البعثة استقبالا جيدا، ثم عادت محملة بكميات كبيرة من الحيوانات النادرة، الأخشاب، البخور، الأبنوس، العاج، الجلود والأحجار الكريمة.

وفى العصور الحديثة، ازدادت العلاقة الثنائية الأخوية بين مصر والصومال رسوخا وتوطدت أكثر حين وقف المصريون بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى جانب الصوماليين في حربهم ضد الاستعمار، إذ أعلن وقتها مساندته للقوى الوطنية في الصومال من أجل الاحتفاظ بمقومات الشخصية الصومالية بجذورها العربية الإسلامية ووحدة أراضيها.

وكانت مصر شريكا مؤثرا في كل مراحل معركة استقلال الصومال وكانت في مقدمة الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، وقدمت كل الدعم والعون للشعب الصومالي الشقيق عقب الاستقلال.

وعندما قامت ثورة الصومال بقيادة الرئيس سياد بري، أعلن قائدها “أن ثورة الصومال هي ابنة شرعية ووفية لثورة 23 يوليو ولفكر الزعيم جمال عبد الناصر الثوري”، الأمر الذي يعكس مدى تأثير الدور المصري في الفكر الصومالي.

كما وقف المصريون إلى جانب الصومال في نضاله ضد الاستعمار البريطاني والإيطالي، كانوا أيضا سباقين في دعمه خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال في مختلف المجالات لا سيما في مجال التعليم.

وتواجدت المدارس المصرية والأساتذة المصريون في العاصمة الصومالية مقديشيو، ولعبت البعثات الأزهرية والمعلمون التابعون للأزهر الشريف دورا كبيرا في نشر العلم وتعاليم الإسلام في ربوع الصومال، كما لعبت البعثات المصرية دورا رائدا في بناء الكوادر التعليمية وتعريب التعليم في الصومال.

بعد اندلاع الحرب في الصومال 1991، لم تتوقف جهود مصر لوقف نزيف الدم وحماية وحدة التراب الصومالي، بل كانت حاضرة بقوة في جميع الجهود الدولية للم شمل الصوماليين، ورفضت تقسيم الصومال أو الاعتراف بانفصال اقليم الشمال “صومالاند”، كما نظمت مصر عددا من مؤتمرات المصالحة لإنهاء الاقتتال الداخلي في مقديشو وإحلال السلام في ربوع الصومال شارك فيها معظم الفصائل المتناحرة.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى