أ.د. مفيدة عبدالخالق .. تكتب : الحوار .. لا الجدال

لما كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ومحبة الخير والقصد للحق، فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم، ومفصلين لهم ما لم يعرفوه، ، قال تعالى:” وما يذكر إلا أولو الألباب ” .أي الذين تذكروا ما ينفعهم ففعلوه، وما يضرهم فتركوه، وهؤلاء هم أولو الألباب الكاملة، والعقول التامة ويتجلى ذلك في الحكمة.
الحكمة هي العقل والفقه في دين الله، وهي إتقان العلم و العمل، وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة التي هي وضع الأشياء مواضعها وتنزيل الأمور منازلها.
والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا تكون إلا بالحوار لا بالجدال حيث إن الجدال الفاقد للمصداقية غالبا يتضمن أخطاء جسيمة في أسلوب محاورة الآخر المختلف في الرأي قليلا أو كثيرا، فنجانب في ذلك أدب الحوار .
ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على فضل ترك الجدال، وأن من يتركه، حتى وإن كان محقًا، فله بيت في ربض الجنة. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقاً…”.

هذا الحديث يؤكد على أهمية التسامح والتواضع والحفاظ على الوحدة ونبذ الخلافات التي تنشأ عن الجدال. و هذا الموضوع ليس بموعظة أخلاقية تحلق في آفاق المثال بل هو من الأهمية لم فيه من حاجة ثقافية، وسياسية، ووطنية وأخلاقية ضرورية غاية الضرورة. أن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي جدا فكل شخص يمتلك وجهة نظر تختلف عن باقي الأشخاص والاختلاف شيء ايجابي يساعد على الحوار والخروج بأفضل النتائج ,ولكن في الوقت الحالي تحول الحوار إلى جدل وأصبح الشخص الذي يحمل وجهة نظر مختلفة غير مرغوب فيه وأصبحت العقول المتحجرة غير قابلة لتغير بعض المفاهيم والنظريات ،وللتغلب على تلك المشكلة لابد من التعرف على آداب الحوار مع الآخرين والتي يجب الالتزام بها وألا نجعل التنوع الذي خلقنا الله فيه، سبباً للشقاق والخصام والتنازع، بل من الممكن أن يكون سبباً للتكامل والتعاون ، ولكنها تحتاج إلى جمع وتدوين، لتكون بمثابة لائحة قانونية أو وثيقة أخلاقية وثقافية وعقلانية للحوار. ومنها ألا يكن في ذهنك فقط الانتصار على الآخر، بل كن موضوعيا واعترف له بروح رياضية بالأشواط التي ينتصر فيها و عليك بالفكرة والحجة والدليل أو حتى بالأسلوب الأخلاقي الموضوعي حتى لو لم تكن متفقا معه على النتائج. ولا تحاور بعقل جمعي، حزبيا كان أو طائفيا، أو من أي نوع آخر، بل حاور بعقلك أنت، وكن مستقلا في تفكيرك– حسب ما وصلت إليه من قناعات ـ تستحق الأساليب الأخلاقية والحضارية والعقلانية الهادئة في الحوار، فمارس تلك الأخلاق، من خلال أنك أنت أهل لأن تتخلق بها، وباعتبار أنها تخدم فكرتك التي تؤمن بها، ، وباعتبار تأثيرها الإيجابي في الآخرين، لكون التثقيف على ثقافة وأدب الحوار الحضاري تستحق منك ومننا جميعا تلك المجاهدة للانفعالات.
ويجب أن تحترم الموقف الخاطئ من وجهة نظرك رغم اختلافك مع صاحبه فيه، ولا يجوز أن تكون تهمة التخوين، أو الانحراف الديني أو الفكري أو السياسي، أو تهمة السذاجة وعدم الفهم والوعي السياسي حاضرة، لمجرد أنني لا أتفق مع صاحب الموقف. وذلك لقوله تعالى ” وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ “، أيّ: وناظر من يحتاج منهم إلى مناظرتك بحكمة وبلين ورفق، وبشاشة وجه وحسن خطاب.وهذه أسمى معاني الخلق العالي والأدب عند دعوة الآخر للحوار لا الجدال.






